كافّة (١) ، وإنّ مراجعة واحدة لمجموعة الرسائل والمكاتيب النبويّة وسيرة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وسيرة أصحابه وما تحقّق من فتوحات على أيدي المسلمين تكشف عن أنّ الإسلام بدأ في صورة دعوة إلى حكومة عالميّة تعيش في ظلّها الشعوب المختلفة جنباً إلى جنب بلا فوارق ولا فواصل ودونما مطاحنات أو مشاحنات ولكن سعي الإسلام هذا كان مبتنياً على اُسس معقولة ومنطلقاً من حقائق يكون التنبيه إليها ضماناً لتحقيق ما أراده الإسلام ، ولم تكن دعوة الإسلام مجرّد ادّعاء ودعوة فارغة لا تقوم على شيء فما هي هذه الاُسس ؟
إنّ الإسلام يقيم دعوته إلى حكومة عالميّة واحدة على سلسلة من الاُسس والمبادئ الفكريّة الضامنة للوحدة بين شعوب الأرض ، وهي عديدة أهمّها وأبرزها : « المساواة بين جميع أبناء البشر » فالإسلام ينبه البشر إلى أنّهم متساوون في الخلق فكلّهم من آدم وحواء وكلاهما من تراب وهم متساوون في الإنسانيّة والمشاعر البشريّة ومتساوون في المصير فكلّهم راجعون إلى الله تعالى وإذا كانوا كذلك فلماذا يختلفون في القوميّة ، ولماذا يتميّز بعضهم على بعض بالعنصر ، أو الأرض ، أو غير ذلك من ألوان التمييز الظالم ودواعيه الوهميّة وإلى هذا يشير قول الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ) ( الحجرات : ١٣ ) (٢).
وقوله سبحانه : ( إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا ) ( المائدة : ٤٨ ).
إنّ هاتين الآيتين وماشابههما من الآيات القرآنيّة تعلن بصراحة عن وحدة أبناء
__________________
(١) راجع كتابي : الوثائق السياسيّة ، ومكاتيب الرسول ، وسيوافيك قسم من هذه الكتب في الجزء الثالث من موسوعتنا هذا ، عند البحث عن كون دعوة الرسول دعوة عالميّة لا إقليميّة.
(٢) إنّ الملاحظ أنّ القرآن وجّه أكثر دعواته إلى الناس فقال ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ) ولم يوجهها إلى طائفة خاصّة فلم يقل يا أيّها القريشيّون أو يا أهل مكّة ، أو يا أهل الحجاز أو أيّها البيض أو أيّها العرب.