الشريكين وحدة الفكر ، فماذا تجدي وحدة الأرض أو اللغة وفي مقدور ( الاختلاف الفكري ) أن ينسف تلك الوحدة الناشئة من الأرض أو اللغة في أي لحظة من اللحظات ؟ ولأجل ذلك نجد القرآن الكريم يقيّم الاخّوة على أساس الإيمان فيصف المؤمنين بالإخوة قائلاً : ( إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) ( الحجرات : ١٠ ).
فاتّحاد الفكر والإيمان وحده هو القادر على جمع الأفراد ، لا وحدة الأرض مع اختلاف الرأي ، ولا وحدة اللغة مع اختلاف العقيدة ولا وحدة الدم مع اختلاف الاتّجاه.
فقد نقل أنّه كان أوّل من طرح فكرة بناء الاُمّة على العناصر والروابط المذكورة الخارجة عن نطاق الاختيار هو « جوبينو » حيث طرح وحدة العنصر أساساً للقوميّة الواحدة وجعل الاتحاد في العنصر مقوّماً من مقوّمات الاُمّة الواحدة ذات الصفة الخاصّة ، ولقد صارت هذه النظريّة أساساً للسياسات الخشنة التي تبنّاها موسوليني وهتلر ، وكانت أبرز عامل لوقوع الحرب العالميّة الاُوّلى التي جرّت على البشريّة أسوء الويلات.
ولكنّ الإسلام يجعل العامل المكوّن للاُمّة والذي يترتّب عليه التعامل والتعايش الخاصّ شيئاً آخر هو الوحدة في الإيمان ، فإنّ وحدة الناس في العقيدة والإيمان ( وهو أمر اختياريّ وله كلّ التأثير في الحياة الاجتماعيّة ) هي التي تصلح أن تكون أساس اجتماع الناس واتفاقهم بحيث يصحّ إطلاق وصف الاُمّة عليهم ... كما أنّ عدمها يوجب تفرّقهم وبطلان وصف الاُمّة في شأنهم.
إنّ لفظة الاُمّة تنطوي على وحدة الهدف الذي يقصد ، والغاية التي تؤم (١) ولا ريب أنّ وحدة الأيديولوجيّة والعقيدة هي التي تجعل الجماعة المعتنقة لتلك العقيدة ذات هدف واحد ، وغاية واحدة ومقصد واحد ... ولذلك فهي أجدر من غيرها ( من العناصر
__________________
(١) خصوصاً إذا جعلنا الاُمّة مأخوذة من أمّ بمعنى قصد.