إنّ رابطة الإيمان لا تجمع الأفراد الحاضرين الأحياء فقط ، وتشكّل منهم اُمّة واحدة متعاطفة متحابّة ، بل تجعل المؤمن يشعر بالاخوّة والعلاقة والرابطة حتّى بالنسبة إلى كلّ الذين سبقوه ، وتطهّر قلبه من أيّة ضغينة أو غلّ تجاههم كما يقول القرآن. ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ) ( الحشر : ١٠ ).
إنّ البحث حول الإشكالات الواردة على العناصر المكوّنة للاُمّة في نظر الحقوقيّين موكول إلى موضع آخر ، ونحن هنا نكتفي ببيان العنصر المعقول الصحيح الذي يبني عليه الإسلام مفهوم الاُمّة ويحقّق وجودها الخارجيّ الحقيقيّ وهو رابطة الإيمان ، ووحدة العقيدة.
إنّ الإيمان هو الملاك الطبيعيّ لتكوّن الاُمّة في نظر الإسلام ، فهو الذي تترتّب عليه الحقوق ، وتبتني عليه علاقات الفرد المؤمن مع الفرد الآخر في الاُمّة الإسلاميّة ، وعلاقات الاُمّة مع غيرها من الطوائف والاُمم الاُخرى.
إنّ التجارب التاريخيّة المسلّمة ، والوقائع المحسوسة أثبتت أنّ رابطة الإيمان أقدر من غيرها على تجميع الأفراد وتكوين الاُمّة الواحدة منهم ، وتوجيههم وجهة واحدة ودفعهم إلى حماية أنفسهم وكيانهم وبثّ روح التعاطف والتراحم والتواصل بينهم ، وإخراجهم اُمّة واحدة متماسكة بينما أثبتت التجارب والوقائع فشل الملاكات والعناصر التي ذكرها الحقوقيّون ، لتكوين مفهوم الاُمّة فضلاً عن تحقيق حقيقتها ووجودها على الصعيد الخارجيّ ، لأنّها عجزت عن إيجاد أيّة وحدة حقيقيّة وأيّ تعاطف حقيقيّ وأيّ تلاحم وتراحم ، وتعاون وتعايش ووئام وانسجام بين الأفراد.
إنّ التجربة الماضية والحاضرة برهنت على عجز ( العامل القومي ) المرتكز على وحدة الأرض أو الدم أو اللغة ، أو التاريخ ، عن إثارة همم الأشخاص وعزائمهم ، ودفعهم إلى أن يفكروا معاً في مسيرهم ومصيرهم ويتعاونوا فيما بينهم كما يتعاون أعضاء العائلة الواحدة ، بينما برهنت التجربة قديماً وحديثاً على أنّ الرابطة العقيديّة في الإسلام