مُّسْتَقِيمٍ ) ( النحل : ٧٦ ).
ولذلك أمر سبحانه جميع الناس بإجراء العدل وتطبيقه وصيانته قائلاً : ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ) ( النحل : ٩٠ ) وهو كما نلاحظ أمر مطلق غير مقيّد بزمان أو مكان خاصّ أو أفراد معينّين.
إنّ من أبرز نتائج العدل وثماره هو خروج القابليات إلى كمالها ، ونموّها وتكاملها لأنّ صاحب القابليات والمواهب إذا عرف أنّ جهده لا يضيع ، وأنّه لو أظهر نبوغه وعمل على ابراز قابليّته فاز بالمقام والتقدير دون حيف وجور ، اجتهد في ذلك ، وأعطى من نفسه وراحته ما يحقّق تقدّمه وهذا بعكس ما إذا كان الملاك للتقدير في المجتمع هو العلاقات والخداع ، والدهاء فعندئذ تبقى المواهب والقابليات محبوسة في مواضعها خامدة جامدة.
إنّ التعامل على أساس العدل وموافاة كلّ ذي حقّ حقّه ، وتقديم الضوابط على العلاقات يطمئنّ الناس إلى مصير سعيهم ونتيجة عملهم ويشجّعهم على الخير والاجتهاد فينطلق المحسن في إحسانه ويرتدع المسيء عن إساءته.
ولأجل هذا قال الإمام عليّ عليهالسلام في عهده المعروف للأشتر النخعيّ : « ولا يكوننّ المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء ، فإنّ في ذلك تزهيداً لأهل الإحسان في الإحسان ، وتدريباً لأهل الإساءة على الإساءة » (١).
ويكفي إظهاراً لأهمّية العدل وعظمة دوره في إسعاد المجتمع أنّ الله سبحانه جعل إقامة العدل ، الهدف النهائيّ لإرسال الرسل والأنبياء إلى البشريّة وإنزال الكتب عليهم إذ قال : ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ) ( الحديد : ٢٥ ).
__________________
(١) نهج البلاغة : قسم الكتب الرقم ٥٣.