ولتوفّر مثل هذه الحريّة الفكريّة والعقيديّة في ظلّ الإسلام ، نرى أنّ الملاحدة والزنادقة الذين كانوا يحملون عقائد مضادة للإسلام كانوا يعيشون في الأوساط الإسلاميّة في القرون الاُولى أحراراً ودون أن يمسّهم أحد بسوء ... بل وطالما كانوا يناقشون أئمة المسلمين كما نلاحظ ذلك من مناظراتهم واحتجاجاتهم مع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والإمام علي عليهالسلام والباقر والصادق عليهماالسلام (١).
أمّا منع كتب الضلال وتحريم اقتنائها وتداولها الذي نجده في الفقه الإسلامي ؛ فهو خاصّ بمن يتضرّر فكريّاً بهذه الكتب ، فإنّ كتب الضلال بمنزلة الدواء الضارّ فكما لا يصحّ السماح لكلّ أحد حتّى الأطفال باقتناء الدواء الضارّ ؛ كذلك لا يجوز لغير العالم الراسخ في عقيدته تناول هذه الكتب تجنيباً للمجتمع من أخطارها وأضرارها.
وأمّا الخرافات المانعة من التفكّر الصحيح ؛ فقد حاربها الإسلام محاربة لا هوادة فيها ، فمن جانب دعا إلى التأمّل والتدبّر والتفكّر الصحيح ومنع من التقليد الأعمى ، ومن جانب آخر منع بشدّة من الاعتقاد بالخرافات واعتناقها ... وكافحها مكافحة قويّة ، فهو ينكر على الوثنيّين عبادتهم للأصنام التي لا تضرّ ولا تنفع فيقول سبحانه : ( أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ ) ( الصافات : ٩٥ ).
كما نرى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يوصي معاذاً حينما يبعثه إلى اليمن قائلاً : « وأمت أمر الجاهليّة » (٢).
ويقول صلىاللهعليهوآلهوسلم في صراحة كاملة : « كُلّ مأثرة في الجاهليّة تحت قدميّ » (٣).
ولما قبض ابراهيم ابن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم جرت في موته ثلاث سنن ، أمّا واحدة فإنّه لمّا قبض انكسفت الشمس فقال الناس : إنّما انكسفت الشمس لموت ابن رسول الله ، فصعد رسول الله المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : « أيُّها الناسُ إنّ الشمس والقمر آيتان من آيات الله يجريان بأمره مُطيعان لهُ لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا
__________________
(١) راجع لمعرفة هذه الاحتجاجات والمناظرات كتاب الاحتجاج وعيون أخبار الرضا عليهالسلام.
(٢ و ٣) تحف العقول : ٢٩ ، وسيرة ابن هشام ٣ : ٤١٢.