وهي تعني أنّ لكلّ فرد أن يشغل المناصب الإداريّة ويساهم في الاُمور السياسيّة ولا يمنعه عن ذلك مانع ... وهذا حقّ طبيعيّ لكلّ إنسان فليس لفرد أو جماعة خاصّة أن يستأثر بإدارة البلاد دون اشراك الآخرين في ذلك حسب منطق الإسلام. بينما كان النظام في الشعوب والملل السابقة نظاماً طبقيّاً يقسّم الناس إلى طبقات مختلفة متفاوتة من حيث الحقوق والامتيازات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة ، فكان الحكم والإدارة والسياسة من حقّ الطبقة الخاصّة وكان على بقيّة أفراد الشعب أن يكدحوا ويعملوا ولا يتدخّلوا في الاُمور السياسيّة فلا دور للكفاءات ولا مجال للإسهام السياسيّ مطلقاً.
وقد كان هذا الوضع سائداً قبل الإسلام في اليونان وإيران والهند وغيرها.
وربّما كان بعض الشعوب والاُمم كاليهود تقيّم استحقاق المناصب على أساس الغنى والثروة فكانوا يعطون حقّ الملك والسلطنة لمن كان غنيّاً صاحب ثروة ولهذا لما نصب الله تعالى طالوت ملكاً على بني إسرائيل اعترضوا بأنّه فقير متجاهلين المؤهّلات والصفات القياديّة الاُخرى (١) ، إذ قالوا : ( أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ المَالِ ) فقال الله تعالى : ( إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالجِسْمِ ) ( البقرة : ٢٤٦ ) ، مشيراً إلى أنّ طالوت يتمتع بالكفاءات القياديّة وهو المهم في أمر القيادة والولاية والسياسة والإدارة.
وإلى هذا الملاك ( ملاك الكفاءة السياسيّة ) يشير النبيّ يوسف عليهالسلام لمّا يطالب عزيز مصر بأن يسلّمه خزائن البلاد وأمر الاقتصاد فيقول : ( ... اجْعَلنِي عَلَى خَزَائِنِ الأرْضِ إنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ) ( يوسف : ٥٥ ).
إنّ الإسلام يعتبر الكفاءة واللياقة هو الملاك الأساسيّ للسياسة والإدارة وليس التقسيمات الطبقيّة أو الاعتبارات الماديّة ، وإلى هذا أشار الرسول الأعظم في قوله : « من
__________________
(١) بحار الأنوار ١٣ : ٤٣٥ ، وتاريخ الطبريّ ٢ : ٥٤٧.