فلا بدّ إذن من استغلال هذه الظاهرة واغتنام الفرصة وتوجيهها الوجهة الصالحة التي تتّسم بالتوازن وحسن السلوك وحبّ الفضيلة والمعرفة.
ولقد فتح الإسلام باب تحصيل العلوم في وجه الجميع نساء ورجالاً من دون أي قيد أو شرط ، إلاّ شرطاً واحداً هو أن يتمّ هذا التحصيل في جوّ سليم عار من أي فساد أخلاقيّ أو انحراف معنويّ.
وتحقيقاً لهذا الأمر السامي وهو تعميم الثقافة والعلم حظر على المعلّمين أن يأخذوا الاُجرة ـ على تعليمهم بعض العلوم.
هذا بعد أن رفع مكانة المعلّم ، وكشف عن جليل مقامه ، واعتبر حقّه من أعظم الحقوق.
قال الإمام زين العابدين عليهالسلام : « وأمّا حقّ سائسك بالعلم فالتّعظيم له ، والتّوقير لمجلسه ، وحسن الاستماع إليه والإقبال عليه ، والمعونة له على نفسك فيما لا غنى بك عنه من العلم بأن تفرّغ له عقلك وتحضره فهمك ، وتزكّي له قلبك وتجلي له بصرك بترك اللّذات ، ونقص الشّهوات وأن تعلم أنّك فيما ألقى إليك رسوله إلى من لقيك من أهل الجّهل فلزمك حسن التأدية عنه إليهم ولا تخنه في تأدية رسالته والقيام بها عنه إذا تقلّدتها » (١).
وروي عن الإمام أبي محمّد الحسن العسكريّ عليهالسلام أنّه قال : « إنّ رجلاً جاء إلى عليّ بن الحسين برجل يزعم أنّه قاتل أبيه فاعترف فأوجب عليه القصاص ، وسأله أن يعفو عنه ليعظّم الله ثوابه فكأنّه لم تطب نفسه بذلك ، فقال عليّ بن الحسين عليهالسلام للمدّعي للدّم الوليّ المستحقّ للقصاص :
إن كنت تذكر لهذا الرّجل عليك فضلاً فهب له هذه الجناية واغفر له هذا الذّنب ».
قال : أُريد القود [ أي القصاص ] فإن أراد لحقه على أن اُصالحه على الدية
__________________
(١) تحف العقول ـ رسالة الحقوق ص ٢٦٠.