وفرّج بين السّطُور وقرمط (١) بين الحُرُوف ، فإنّ ذلك أجدرُ بصباحة الخطّ » (٢).
كما روي عنه عليهالسلام قوله : « الخطّ الحسن يزيد الحقّ وضوحاً » (٣).
هكذا حثّ الإسلام على الكتابة حثّا بليغاً ، وأكيداً ، وكفى في ذلك أنّ الله تعالى أقسم بالقلم باعتباره وسيلة فعّالة لنقل المعرفة وتدوينها ، وإبقائها.
ولعلّك تقول : لو حثّ الإسلام مثل هذا الحثّ على الكتابة والتدوين فلماذا نهى الخليفة الثاني عن كتابة الحديث في حين كان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يحثّ أصحابه على كتابة ما يسمعونه منه. فقد أخرج صاحب غوالي اللئالي عن عمر بن شعيب عن أبيه وجدّه قال قلت : يا رسول الله أكتب كلّ ما أسمع منك ؟ قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « نعم » ، قال : قلت في الرضا والغضب ؟ قالصلىاللهعليهوآلهوسلم : « نعم فإنّي لا أقول في ذلك كلّه إلاّ الحقّ » (٤).
وقد أملى صلىاللهعليهوآلهوسلم كتباً في الشرائع والأحكام كان قد جهّز بها رسله وعمّاله في الأقطار المفتوحة وقد احتفظ بها المسلمون وأوردها أصحاب السير والمعاجم وأهل الحديث والتفسير في كتبهم وهذه الصحف تعرب قبل كلّ شيء عن عناية الرسول بحفظ علوم الرسالة وذخائر النبوّة وأحكام الدين ودساتيره ليستفيد منها القريب ويرجع إليها النائي.
وقد تواتر عن الفريقين أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قبض وفي قراب سيفه أو ذؤابة سيفه كتاب أو كتابان (٥).
__________________
(١) القرمطة بين الحروف ، المقاربة بينها وتضييق فواصلها.
(٢) نهج البلاغة : قصار الكلم ( الرقم ٣١٥ ).
(٣) حديث مشهور.
(٤) راجع الذريعة ١ : ٦ ، التاج ١ : ٦١.
(٥) صرّح بذلك إمام الحنابلة في مواضع من مسنده راجع المسند ١ : ٨١ ، ١٠٠ ، ١١٩ ، ١٢٦ ، ١٣٢ ، صحيح مسلم ٤ : ٢١٧ ، السنن الكبرى ٨ : ٣٠.