الدينيّة كانت قائمة منذ ظهور الحكومة الإسلاميّة ، وحصول الاستقلال السياسيّ للمسلمين على اُسس التسامح والسلام والمحبّة والمعاشرة الإنسانيّة ، والمعاهدات المتبادلة ، ولهذا كانت تلك الأقليّات الدينيّة تعيش بين المسلمين بحريّة كاملة ، ودون أن يلحقها أي أذى أو سوء ، وتستفيد من حقوقها المُسلمة دون أي عدوان أو نقصان ، وهذا هو الأمر الذي جعلهم يفضّلون حكم الإسلام على غيره.
كما أنّ هذا هو الذي حدى بالكتاب المسيحيّين ومؤرّخيهم أن يعترفوا بفضل الإسلام وحسن سيرة المسليمن بالنسبة إلى أبناء دينهم ، لاحظ في ذلك ما قاله غوستاف لوبون.
وقال روبرتسون في كتابه تاريخ شارلكن : ( إنّ المسلمين وحدهم هم الذين جمعوا بين الجهاد والتسامح نحو أتباع الأديان الاُخرى الذين غلبوهم وتركوهم أحراراً في إقامة شعائرهم الدينيّة ) (١).
يبقى أن نعرف أنّ الإسلام فرض على أهل الكتاب ـ بعد الغلبة عليهم ـ دفع ضريبة تسمّى بالجزية ، وهي بمنزلة الضريبة التي تؤخذ من المسلمين تحت عناوين مختلفة من الزكاة والخمس وسائر الصدقات لتصرف في شؤون الدولة الإسلاميّة ولأجل ذلك لا تؤخذ الجزية من المعتُوه ولا من المغلُوب على عقله ، ولا الصبيان ولا النساء ، لأنّ الجزية إنّما هي في مقابل الدخل تقريباً. قال الإمام الصادق عليهالسلام : « جرت السنّة أن لا تُؤخذ الجزية من المعتُوه ولا من المغلُوب على عقله » (٢).
ثمّ إنّ الجزية تقدر بقدر المُكنة والقدرة فقد سئل الإمام الصادق عليهالسلام عن حدّ الجزية فقال : « ذلك إلى الإمام يأخذ من كلّ إنسان منهم ما شاء على قدر ماله وما
__________________
(١) روح الدين الإسلاميّ : ٤١١.
(٢) الوسائل ١١ : ١٠٠ ، وراجع تحرير الوسيلة ٢ : ٤٩٨ للإمام الخمينيّ.