ذلك النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فأرسل إليهم وقال : « ما حملكم على ما صنعتم ؟ » فقالوا : يا رسول الله تكفّل لنا بأرزاقنا فأقبلنا على العبادة ، قال : « إنّه من فعل ذلك لم يستجب له ، عليكم بالطّلب » (١).
إنّ الإسلام لم يكتف بالحثّ على العمل والسعي بل ذهب إلى أبعد من ذلك حيث أقر التنافس السليم لأنّ ذلك يوجب تفتّح المواهب وتحرّك القابليّات الذي من شأنه تقدّم الاقتصاد ، بل وازدهار الحياة ، ولذلك فهو يقرّ كلّ ملكيّة حاصلة عن سبب مشروع كائناً من كان صاحبها ، فلا يؤمم وسائل الإنتاج بصورة مطلقة لأنّ ذلك يقتل الدوافع الذاتيّة لدى الأفراد ، ويقضي على الحوافز الشخصيّة ، ويوجب ذلك شلل الاقتصاد كما هو الحال في الأنظمة الاشتراكيّة ، ولكنّه منعاً من ظهور الرساميل الكبيرة ـ جدّاً ـ جعل الإسلام المنابع الطبيعيّة ـ التي سيوافيك ذكرها في الأنفال ـ في ملكيّة الدولة الإسلاميّة.
ولا يخفى أنّ الكثير من الرساميل والثروات الضخمة الهائلة جداً تنشأ عادة من استيلاء الأفراد على هذه المنابع واستقلالهم ـ دون الناس ـ باستثمارها واستخراجها دون رقيب ، وبلا حساب ، ويكفي أن نعرف أنّ في إيران وحدها (٨٠٠) نوعاً من المعادن الغنيّة جدّاً ، في حين لا يستثمر سوى عُشر هذه المعادن لا أكثر وهي تشكّل ثروات لا يمكن تحديد عائداتها إطلاقاً ولقد كان استثمار أكثر هذه المعادن في العهد المباد يعود إلى جماعة خاصّة من الرأسماليين الكبار الذين كنزوا من عائداتها ثروات لا تحدّ ولا تعدّ.
إنّ الإسلام بتأميمه للثروات الطبيعيّة وجعلها للعموم منع من ظهور الملكيّات الهائلة.
هذا مضافاً إلى أنّ الدولة الإسلاميّة يجوز لها أن تمنع الأفراد من توظيف الأموال في
__________________
(١) نور الثقلين ٥ : ٣٥٤ ـ ٣٥٥.