الشهوات والنزوات الحيوانيّة وإن أضرّت بالأخلاق ، وأساءت إلى القيم الإنسانيّة الرفيعة ، بينما تخضع ( الحريّة ) في النظام الإسلاميّ لحدود معقولة إنسانيّة ، لأنّها لا تعني في منطقه إلاّ إفساح المجال للمواهب والقابليّات البشريّة للتكامل ، والانطلاق في دروب التقدّم والرقي ، والاستفادة من مواهب الله في الطبيعة دون اعتداء على عقيدة الآخرين وأخلاقهم وأمنهم وراحتهم.
إنّ الإسلام يعتقد بحريّة الإنسان في مسكنه ومعمله ، وفي كلّ مجالات حياته ولكن في إطار الأخلاق والإنسانيّة وقيم الدين ، التي من شأنها توظيف الحريّة في سبيل إسعاد الإنسان.
وقد مرّ مجمل القول في ذلك عند البحث عن خصائص الحكومة الإسلاميّة الخصيصة السادسة.
إنّ كلا المنهجين ( الرأسماليّ والاشتراكي ) لا يعترفان بمانع ولا حاجز في طريق الإنتاج ، فهما يطلبان المزيد منه بالعمل والسعي ويرفضان كلّ قيد وشرط في هذا السبيل إلاّ إذا كان يساعد بدوره على تصعيد الإنتاج ، واستدرار المزيد من الأرباح والعائدات !! بينما يقيم الإسلام بعض الموانع ، ويضع بعض القيود في هذا السبيل ، ويقيّد العمل والإنتاج ببعض الشروط والحدود ، فلا يمكن للناس أن ينتجوا كل ما تهواه نفوسهم حتّى إذا كان يعود على أخلاقهم وعقيدتهم وحياتهم بسوء أو أذى ، فحتّى الأسلحة والوسائل الحربيّة التي يسمح الإسلام بإنتاجها ، إنّما يسمح به لأجل الدفاع عن حوزة الإنسان والإنسانيّة ، ولأجل تحصين البشر من شرّ أنفسهم ، وها هو القرآن الكريم يشير إلى هذه الحقيقة بقوله : ( وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ ) ( الأنبياء : ٨٠ ).