ومثّل به فجدع أنفه واُذنه ، فحزن حزناً شديداً وقال : « ولئن أظهرني الله على قُريش في موطن من المواطن لأُمثّلنّ بثلاثين رجُلاً منهُم ».
فأنزل الله سبحانه : ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ) ( النحل : ١٢٦ ـ ١٢٧ ).
فعفا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (١).
* * *
لا شكّ أنّ للحكومة الإسلاميّة أن تتوسّل بالحصار الاقتصاديّ ، كوسيلة من وسائل الحرب والدفاع ولكن هذا الأمر تابع لهدف عسكريّ فقط بمعنى أنّه يجوز فقط لأجل تحديد الفعاليّات العسكريّة للعدو في اطار الأهداف الاستراتيجيةّ.
إنّ الإسلام يقوم بهذا الأمر ضدّ المعتدين والمهاجمين فحسب ، ولا يسوغ استخدامه ضدّ الأبرياء من الناس.
وهذا هو سيرة النبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وإليك نموذجاً من ذلك :
خرجت خيل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فأسّروا ثمامة بن أثال الحنفيّ ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أحسنُوا اُسارهُ » فمكث مدة ثمّ اطلقوا سراحه فأسلم ، ثمّ خرج إلى مكّة معتمراً فأخذته قريش وأرادوا قتله ، فقال قائل منهم : دعوه فإنّكم تحتاجون إلى اليمامة [ وكان من ملوكها ] لطعامكم ، فخلّوه ، ثمّ خرج إلى اليمامة ، فمنعهم أن يحملوا إلى مكّة شيئاً فكتبوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّك تأمر بصلة الرحم ، وإنّك قد قطعت أرحامها فقد قتلت الآباء بالسيف ، والأبناء بالجوع. فكتب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إليه ، أن يخلّي بينهم وبين الحمل (٢).
وهكذا منع الرسول من استخدام الحصار الاقتصاديّ ضدّ الأبرياء من الناس ،
__________________
(١ و ٢) سيرة ابن هشام ٢ : ٩٦ و ٦٣٩.