السلم والصلح ومن ذلك : النظام الخاصّ بالدبلوماسيّين فإنّ للدبلوماسيّين والسفراء والرسل عند الإسلام احتراماً كبيراً ، وحصانة خاصّة لا نجد لها مثيلا أبداً ، حتّى أنّ للدبلوماسيّ أن يظهر عقيدته المخالفة للدولة الإسلاميّة دون أن يصيبه أذى أو يمسّه من المسلمين ضرر ، ونذكر من باب المثال نموذجاً واحداً يدلّ على ما قلناه : فقد كتب مسيلمة بن حبيب [ الكذّاب ] إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كتاباً جاء فيه :
أمّا بعد فإنّي قد أشركت في الأمر معك وأنّ لنا نصف الأرض ، ولقريش نصف الأرض ، ولكن قريشا قوماً يعتدون. فلمّا قدم رسول مسيلمة بهذا الكتاب إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وقرأه قال لهما : فما تقولان أنتما ، قالا نقول كما قال ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أمّا والله لولا أنّ الرّسُل لا تُقتلُ لضربتُ أعناقكُما ».
ثمّ كتب صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى مسيلمة : « بسم الله الرّحمن الرّحيم من مُحمد رسُول الله إلى مُسيلمة الكذّاب السّلامُ على من اتّبع الهُدى أمّا بعدُ فإنّ الأرض لله يُورثُها من يشاءُ من عباده والعاقبةُ للمُتّقين » (١).
انظر كيف عامل الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم سفيري مسيلمة ... ولم يعاقبهما على إلحادهما.
وانظر كيف قابل النبيّ مسيلمة ، وقايس بين الكتابين ، فإنّك تجد رائحة الوحي الطيّبة تفوح من كتاب الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم وتنبئ عن ذكائه وعقله وحسن درايته وعظيم سياسته وكياسته.
إنّ من أهمّ ما يستدعي اهتماماً خاصّاً في السياسة الخارجيّة هي التعهّدات بين الدول وهي على نوعين :
١. التعهّد من جانب واحد.
٢. التعهّد من جانبين.
__________________
(١) سيرة ابن هشام ٢ : ٦٣٩.