كل هذا يكشف عن وجود نظام خاصّ لهذه التعهّدات في السياسة الخارجيّة للإسلام يتجلّى خطوطه في مجموعة المواقف النبويّة وغيرها من مصادر الشريعة.
إنّ للحكومة الإسلاميّة أن تستقرض أو تستعير من الآخرين ما تحتاج إليه من المال أو السلاح في حالات الحرب. والحاجة إلى ذلك ... وهو أمر فعله النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لما عاهد نصارى نجران ووضع عليهم جزية معيّنة ، وشرط عليهم أن يعيروا ثلاثين درعاً وثلاثين فرساً وثلاثين بعيراً إذا كان كيد باليمن ذو مغدرة.
وقد جاء في هذه الوثيقة. « وما هلك ممّا أعاروُا رُسلي من خيل أو ركاب فهُم ضمن حتّى يردّوهُ إليهم ، ولنجران وحاشيتها جوارُ الله وذمّةُ مُحمّد النبيّ رسُول الله على أنفُسهم وملّتهم وأرضهم وأمُوالهم وغائبهم وشاهدهم الخ » (١).
لما كانت إقامة العلاقات الوديّة مع الدول الاُخرى ، وتوقيع المعاهدات معها لأجل مصالح تقتضي ذلك ، وفي مقابل أعمال يجب أن يقوم بها المعاهد ، فإنّ الإخلال بمحتويات هذه المعاهدات ، والقيام بما يخالف هذه المصالح يجوّز ـ في منطق العقل ـ قطع العلاقات ... ونقض المواثيق المعقودة وقد فعل الرسول الأكرم ذلك في قصّة الحديبيّة حيث أقدم على نقض الصلح مع قريش ، وفتح مكّة عندما أظهرت قريش سوء نيّتها.
بيد أنّه يجب أن يكون قطع العلاقات تابعاً للمعايير الإنسانيّة ، ولمبرّرات صحيحة ، فإذا اقتضى الأمر قطع العلاقات ونقض المعاهدة وجب على الحكومة الإسلاميّة إعلام الطرف الآخر بذلك وإبلاغه بالقطع ، قال الله سبحانه : ( الَّذِينَ
__________________
(١) راجع فتوح البلدان للبلاذريّ ٧٦.