ولعلّ أوضح نصّ في هذا المجال هو ما وصّى به الإمام عليّ عليهالسلام جيشاً بعثه إلى العدو حيث قال : « واجعلوا لكم رقباء في صياصي الجبال ومناكب الهضاب لئلاّ يأتيكم العدّو من مكان مخافةً أو أمن واعلموا أنّ مقدّمة القوم عيونهم ، وعيون المقدّمة طلائعهم ... وإيّاكم والتفرّق فإذا نزلتم فانزلوا جميعاً وإذا ارتحلتم فارتحلوا جميعاً وإذا غشيكم الليل فاجعلوا الرّماح كفةً [ أي مثل كفة الميزان مستديرة حولكم محيطة بكم ] ولا تذوقوا النوّم إلاّ غراراً أو مضمضةً [ أي ينام ثمّ يستيقظ ثمّ ينام ] » (١).
وهو موقف اتّخذه الإمام عليّ عليهالسلام عمليّاً إذ كتب إلى قثم بن العبّاس وهو عامله على مكّة إذ قال : « أمّا بعد فإنّ عيني [ أي رقيبي الذي يأتيني بالأخبار ] بالمغرب [ أي الأقاليم الغربيّة ] كتب إليّ يعلمني أنّه وجّه إلى الموسم أناس من أهل الشّام ، العمي القلوب الصمّ الأسماع ، الكمه الأبصار الّذين يلبسون الحقّ بالباطل ... الخ ».
هذه بعض النماذج من الأعمال التجسّسية التي كان يأمر بها الرسول الأكرمصلىاللهعليهوآلهوسلم غيره من قادة الإسلام في المجال العسكريّ ، لمعرفة التحركات المعادية للحكومة الإسلاميّة.
كلّ ذلك يؤكّد موقف الإسلام من جهاز الاستخبارات العسكريّة الذي يضمن جمع المعلومات الدقيقة حول العدو ، ويمكّن القيادة والحكومة من اتّخاذ الموقف المناسب.
* * *
إنّ الوظيفة الثالثة ، وبالأحرى الجانب الأهمّ من عمل الأمن العامّ والاستخبارات هو مراقبة نشاطات الأجانب الأعداء في داخل البلاد الإسلاميّة ورصد تحرّكاتهم ونفوذهم لمنع ظهور الطابور الخامس الذي يرجع إليه السبب الأكبر في سقوط الدول
__________________
(١) نهج البلاغة : الكتاب ٣٣.