أَهْوَاءَهُمْ ) ( المائدة : ٤٩ ).
أجل ، تلك هي طبيعة الملكية ... جشع بالغ وطمع يتجاوز الحدود ، وتفرعن واستعلاء وفساد وإفساد ، وبالتالي تاريخ مشحون بالمآسي والدموع ، وإخراج الآمنين من أوطانهم ظلماً وعدواناً.
وأمّا الملكيّة التي منّ الله بها على بني اسرائيل ، فهي تختلف عن هذه الملكية لأنّها مقرونةً بالنبوّة ، موهوبةً من جانب الله سبحانه ، فلا تفرعن فيها ولا استكبار ولا عدوان فيها ولا إفساد.
وفي هذا الصدد يقول القرآن الكريم : ( وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا ) ( المائدة : ٢٠ ).
والمقصود من الملوك في الآية ، هم الأنبياء أمثال يوسف وداود وسليمان عليهمالسلام إذ يقول القرآن عن ذلك : ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا ) ( النساء : ٥٤ ) (١).
ومن المعلوم ، أنّ يوسف وداود وسليمان عليهمالسلام كانوا من آل إبراهيم عليهالسلام وكانوا في القمّة من أنبياء بني اسرائيل.
وأمّا الشخص الذي اختاره الله ملكاً لبني اسرائيل كما في قوله سبحانه : ( وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ المَالِ قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) ( البقرة : ٢٤٧ ).
فهو وإن لم يكن نبيّاً ، ولكنّه مع ذلك لم يكن فرداً عادياً ، بل كان ممّن تربّى
__________________
(١) والمراد بالملك ـ في المورد هو السلطة على الاُمور الماديّة والمعنويّة ، فيشمل ملك النبوّة والولاية والهداية والثروة وغيرها ، وذلك هو الظاهر من سياق الجمل السابقة واللاحقة ، فإنّ الآية السابقة ( أي الآية ٥٣ ) تؤمى إلى دعواهم أنّهم يملكون القضاء والحكم على المؤمنين ، راجع الميزان للعلاّمة الطباطبائيّ ٤ : ٣٧٥.