صغير ، أو مضعف من أهل المنبت يترشّح للولاية بعهد أبيه ، أو بترشيح ذويه وخوله ، ويؤنس منه العجز عن القيام بالملك ، فيقوم به كافله من وزراء أبيه وحاشيته ومواليه أو قبيله ، ويورّي بحفظ أمره عليه حتّى يؤنس منه الاستبداد ويجعل ذلك ذريعةً للملك ، فيحجب الصبيّ عن الناس ، ويعوده اليها ترف أحواله ، ويسيمه في مراعيها متى أمكنه ، وينسيه النظر في الاُمور السلطانيّة حتّى يستبدّ عليه ، وهو بما عوّده يعتقد أنّ حظّ السلطان من الملك ، إنّما هو الجلوس على السرير ، وإعطاء الصّفقة ، وخطاب التهويل ، والقعود مع النساء خلف الحجاب ، وأنّ الحلّ والربط والأمر والنهي ومباشرة الأحوال الملوكيّة ، وتفقُّدها من النظر في الجيش والمال والثغور ، إنّما هو للوزير ، ويسلّم له في ذلك إلى أن تستحكم له صبغة الرئاسة والاستبداد ، ويتحوّل الملك إليه ويؤثر به عشيرته وأبناءه من بعده كما وقع لبعض البلاد.
وقد يتفطّن ذلك المحجور المغلّب لشأنه ، فيحاول على الخروج من ربقة الحجر والاستبداد ، ويرجع الملك إلى نصابه ، ويضرب على أيدي المتغلّبين عليه ، إمّا بقتل أو برفع عن الرتبة فقط ، إلاّ أنّ ذلك في النادر ... وإنّما يحدث لأبناء الملوك ذلك ، لأنّهم ينشأون منغمسين في نعيمه وقد نسوا عهد الرجولة ) (١).
وصفوة القول ، أنّ النظام الملكيّ المطلق منه والدستوري والوراثيّ ، أمر ملازم للاستعلاء والطغيان.
* * *
إنّ المقصود من هذا النوع ، هو أن يتسلّم فريق من أعيان المجتمع ووجوهه زمام الحكم والسلطة بحجّة تفوّقهم الروحيّ والفكريّ أو النسبيّ على الآخرين ، وهذا هو ما يصطلح عليه الآن بالحكومة ( الارستقراطيّة ) أو حكومة طبقة ( الأعيان ).
ولا يخفى ، أنّ مجرّد التفوّق الروحيّ أو الفكريّ أو النسبيّ ما لم يقترن بسائر
__________________
(١) مقدمة ابن خلدون : ١٨٥ ـ ١٨٦.