فمن يراجع الكتب التالية : ( بلوغ الإرب في معرفة أحوال العرب ) تأليف السيد محمود شكري الآلوسي ، و ( المفصّل في تأريخ العرب ) تأليف علي جواد ، الجزء (٤) الفصل (٤٦) ، و ( معجم قبائل العرب القديمة والحديثة ) تأليف عمر رضا كحالة الجزء (٣). من يراجع هذه المؤلفات التي تشرح النظام القبليّ وأبعاده في المجتمع العربيّ قبل الإسلام ، يعرف ـ معرفةً كاملةً ـ مدى تغلغل وتوسّع النمط القبليّ عند العرب ، ومدى تأثير القبيلة وعدد بطونها وأفخاذها وفروعها ، تلك القبائل والأفخاذ والبطون التي كانت تبدأ أسماؤها ـ في الغالب ـ بلفظة ( آل ) مثل ، آل النعمان وآل جفنة ، أو لفظة ( بنو) ، كبني أشجع وبني بكر وبني تغلب ، أو كان يطلق على جميع أبنائها اسم الجدّ الأعلى للقبيلة مثل ، غطفان وخزاعة ( وهما ـ في الحقيقة ـ اسمان للجدود ولكنّهما اطلقا على القبيلة ).
ولقد كان للقبيلة أكبر الدور في الحياة العربية ـ قبل الإسلام ـ وعلى أساسها كانت تدور المفاخرات وتنشد القصائد ، وتبنى الأمجاد ، كما كانت هي ، منشأ أكثر الحروب وأغلب المنازعات التي ربّما كانت تستمرّ قرناً أو قرنين من الزمان ، كما حدث بين الأوس والخزرج ، أكبر قبيلتين عربيّتين في يثرب ( المدينة ) ، وكلّفهم آلاف القتلى قبل دخول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى المدينة.
كما أنّ التأريخ يشهد لنا ، كيف كاد التنازع القبليّ في قضية بناء الكعبة الشريفة ووضع الحجر الأسود في موضعه أيام الجاهلية ، أن يؤدي إلى الاختلاف فالصراع الدموي ، والاقتتال المرير ، لولا تدخّل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم الذي حسم الأمر بطريقة أرضت جميع القبائل المتنافسة ، وأطفأت نار الفتنة التي كادت أن تأكل كلّ أخضر ويابس (١).
ونظراً لما كان يتمتع به رؤساء هذه القبائل من نفوذ ، وكانت تلك الجماعات تملك من قوّة ورابطة ـ في ذات الوقت ـ فقد سعى الرسول الأكرم ـ وبحكمة كبرى ـ أن
__________________
(١) راجع السيرة النبويّة لابن هشام ١ : ١٩٦ تحت عنوان اختلاف قريش فيمن يضع الحجر ولعقة دم ، ومروج الذهب ٢ : ٢٧٨ تحت عنوان بناء قريش الكعبة واختلافهم في وضع الحجر الأسود وحكم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فيهم.