يستفيد من قدرة تلك القبائل ونفوذ رؤسائها ، في إنجاح الدعوة الإسلامية وتقوية أركانها ، والتغلّب على أعدائها من الكفّار والمشركين وغيرهم من المعارضين.
إلاّ أنّ هذا النظام ( القبلي ) لما كان ينطوي عليه ـ في نفس الوقت ـ من سيئات جسيمة ، وتبعات لا يمكن التغاضي عنها ، ومنافاتها مع ما ينشده الإسلام ويدعو اليه من الوحدة والاتّحاد بين جميع أفراد المسلمين ، فقد سعى الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم في محو الروح القبلية ، وتذويب الفوارق العشائرية. وصهر تلك التجمّعات المتشتّتة المتباينة في بوتقة الإيمان الموحّد ، والصف الإسلامي الواحد ، ولكنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم رغم ما أوجده في ضوء التعاليم الإسلامية من تحوّلات عظيمة في حياة العرب ، إلاّ أنّ أكثر هذه التحوّلات كانت تتعلّق بقضايا العقيدة ، والمسائل الأخلاقية والروابط الاجتماعية ... ولم يكن من الممكن أن ينقلب شكل النظام القبليّ العربيّ في خلال ( ٢٣ عاماً ) ويتبدل كليةً. ويدلّ على ذلك ، وجود بقايا من هذا النظام في القسم الأكبر من شبه الجزيرة العربية مثل اليمن ونجد والحجاز ... و و.
إنّ اُصول هذه العشائر ـ في ابّان العهد الإسلاميّ ـ وإن كانت عبارةً عن حمير وكهلان وقضاعة ومضر وربيعة ، إلاّ أنّ هذه القبائل الأساسية تفرّعت وتشعّبت باستمرار ، إلى قبائل وأفخاذ وفروع ، وكان لكل قبيلة وفخذ منها شيخ ورئيس يرأس الجماعة وتكون له الكلمة والقيادة وتعطي له الإحترام والطاعة.
وقد كانت النفسيات والأخلاق العشائرية ، المتوغّلة في نفوسهم بحيث لم تنعدم انعداماً كلياً ، رغم ما تلقاه اُولئك من التعاليم الإسلاميّة والتربية القرآنية ، ولذلك كانت تظهر بين الفينة والاخرى ، وينشأ بسببها النزاع ويكاد يتوسّع لولا حكمة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وتدبيره.
فقد ذكر ابن هشام ، حادثةً عند عودة النبيّ والمسلمين من غزو بني المصطلق ، بدأت من قضية صغيرة وكادت أن تتطوّر إلى نزاع قبليّ واسع لولا تصرّف النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم.
قال : ( بينا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عائداً من غزو بني المصطلق وقد نزل عند ماء ، وردت