المنطوق ، بل المنطوق يكون كذلك وتجري قواعد التعارض. فلو قال : أكرم خدّام العلماء ، دلَّ بالأولوية على إكرام العلماء ، فإنْ قال : أكرم فسّاق خدّام العلماء ، دلّ بالأولويّة على وجوب إكرام العلماء الفساق. لكنّ العام يقول : لا تكرم الفسّاق ، وله دلالتان أحدهما هو النهي عن إكرام العالم الفاسق ، والآخر النهي عن إكرام الخادم الفاسق الجاهل ، فإنّه المدلول له بالأولوية. فكما كان للمفهوم حكمان إثباتي وبالأولويّة ، كذلك للعام ، وعليه ، ففي جميع الموارد يوجد التعارض بين العام من جهةٍ والمفهوم والمنطوق من جهة اخرى ، ويكون المرجع قواعد التعارض.
فإنْ كان المنطوق أخص ، جرت قواعد العام والخاص ، وإنْ كان أعمّ جرت قواعد العام من وجه.
وهنا ، النسبة بين المنطوق والعموم عموم وخصوص من وجه ، ومقتضى القاعدة تقدّم الخاص ، لكونه أظهر من العام أو قرينةً للعام ، وإذا تقدّم المنطوق تقدَّم المفهوم لكونه اللاّزم المساوي له ، وإلاّ لزم التفكيك المحال كما تقدّم.
فالمفهوم مقدَّم على العموم بهذا البرهان لا بما ذكر فإنه غير صحيح.
وبعبارة اخرى : إنّ تقدّم المنطوق على العموم تنجيزي ، وأمّا معارضة العموم للمفهوم ، فهي معلَّقة على عدم قرينيّة المنطوق للعموم أو عدم أظهريته منه ، ومن المعلوم أنْ لا تعارض بين التنجيزي والتعليقي.
هذا ، ولو فرض عدم القرينية أو الأظهرية واستقر التعارض ـ والمفروض كون النسبة هي العموم والخصوص من وجه ـ فقولان : أحدهما : الرجوع إلى المرجّحات كما في المتباينين فإنْ فقدت فالتساقط أو التخيير ، والآخر : التساقط أو التخيير ، لكون الرجوع إليها خاصٌ بالمتباينين.
وهذا كلّه في المفهوم الموافق.