عفيف ذو نجابة مهاب |
|
ظريف ذو رياسة وجيه |
وقد تقدمتا. واتخذ مجلسا للخلوة بأحكام ، فصار لا يخرج منه للحكم إلّا بعد مرور أيام ، وصرف أمر رعيته إلى من شاء من أرباب دولته ، فانتفعوا نفعا كثيرا ، ونالوا من الرعية مالا غزيرا ، وهو لا يلتفت إليهم في الذّكر والسّهو ، لما شغف به من أمر اللعب واللهو ، حتى أنه جاءه يوما بعض قواده للمحاسبة على ما بيديه ، فأطرده وقال له أن المحاسب هو الله ولا يكون الحساب إلا بين يديه ، ارجع إلى سبيلك وأمرك ، فإني لست بملتفت لما بيدك أو بيد غيرك ودام على ذلك إلى أن أداه حاله للعزل ، ورجع أمره من السّمن إلى الهزل. وذلك أنه بعث مع بعض التجار لتونس مالا ليشتري له بعض الجواري المغنيات ، ذات الجمال والغناء الفائقات فأتاه بجاريتين مغنيتين بارعتي الجمال والغناء متصدرتين فيه لإنالة المنا ، تذهبان عن القلب ما به من النصب والعنا ، فتسلّا بهما ليالي وأياما ولغيرهما تحاشا ، إلى أن بلغ خبره للجزائر إلى الباشا ، فغضب منه غضبا شديدا ، ونهب ماله وسمّر داره وكبّله قيدا حديدا ، ونقله إلى البليدة ، على غير الحالة المرضية فنزلها بأهله وولده وحشمه نزلته الكلية.
ثورة أحمد بن الأحرش الدرقاوي
وبقي بها إلى أن تولى بايا بقسنطينة / وحاله لم يتشوش إلى أن قام عليه (ص ٢٣٩) ثائرا رجل من درقاوة يقال له السيد أحمد بن الأحرش ، فتى مغربي مالكي مذهبا ، درقاوي طريقة ، درعي نسبا ، جاء لتلك القبائل وادعى أنه الإمام المهدي المنتظر ، وكان صاحب شعوذة وخنقطرة وحيل وخبر ، يبدل بها الأشياء للشيء الذي يريد فورا ، كاستحالة البعر زبيبا وتقطير السيف دما والحجارة درهما والروث تمرا ، فرأت الناس منه العجائب ، وأظهر لهم الأمور الغرائب ، التي هي قلب العين ، لا حقيقة لها دون مين فنصروه وعقدوا له البيعة حزبا حزبا ، وجندوا معه وأمره كله كذبا ، واتبعوه في المصادر ، وامتثلوا له في النواهي والأوامر ، فحرك بهم على قسنطينة وحاصروها يوما كاملا ، وكان الباي عثمان خارجا عنها لبعض شئونه (كذا) فلما سمع أتاه عاجلا ، فألفاه هزم وأصيب بالرصاص في فخذه فتكسرت ، لكن حاله لا زال مجتمعا غير متشتت ، فبات بداره ومن الغد