وفتح ما يتيسّر له من البلاد بالفتح الحاوي فقال له من معه من الوزراء والسادات والكبراء ، أمهل بالخروج المعلوم ، واكتب لأهل الضواحي من المخزن بالقدوم ، ولا تعاقب أحدا بما فعل ولا تكن منك له لائمة لأنهم لم يروا ذلك فارطا فظنوا عند الرؤية أن لا تقوم لنا قائمة ، فأساء الله ظنّهم ، وخالفهم الدرقاوي بما منّهم فقال لهم رأيكم هو عين الصواب ، وهو الذي يقع به الكتاب وأمر كتابه بمكاتبة ما أشار به أعيان المخزن ، وقلبه مسرور ليس بمتحزن ، ثم بعث للمعسكريين رسله ليأتوه بنساء الدرقاوي وأهله وذخائره ، فبمجرد الوصول بعثوهم له صحبة القائد الحاج بالحضري وأعيانهم ببشائره ، فقدموا بهم على الباي بوهران بإظهار السرائر ، فأركبهم في الفلك وبعثهم إلى الجزائر وطارت إلى كل مكان صحف البشائر.
ظهور الدرقاوي من جديد
ثم خرج نحو المعسكر فنزل بلد البرجية ومعه أخوه أحمد المغيار ، وأقام بها أياما ينتظر من كل جهة ورود الأخبار ، فبينما هو كذلك إذ جاءه الخبر الطائر ، بأنّ الدرقاوي جمع جيشا جليلا من الصحرا (كذا) بموافقة مجاهر وبني عامر ، وأن مجاهرا عزموا على الغارة عليك وصمموا بالمجيء إليك ، فتحيّر وضاق به (ص ٢٥٥) المتسع / واشتد به القلق والجزع ، والاضطراب والفزع ، وخشي أن الخرق على الراقع يتسع ، ونادى لنديمه الأديب ورفيقه الحبيب ، ومؤنسه وصاحب سره ، المطلع في جميع الأحوال على سعده ونحسه وخيره وشره ، شبيه الحكيم اليوناني ، اللبيب الخروبي القلعي السيد محمد بن الجيلاني فلمّا أن حضر مجلسه أخبره بما سمعه واقتبسه ، فقال له أيها الأمير المالك ، اجمع أعيان مخزنك واستشرهم في ذلك ، لأن الرأي هم أهله ، والحرب هم صدره وأصله ، فأحضرهم وأخبرهم بالخبر وكرّر لهم ذلك وحرّر ، فاختلف أمرهم في الرأي بالجواب ، فبعضهم قال بالرجوع لوهران وغلق الأبواب وأهل الجزائر يدفعون عن أوطانهم لعدم الطاقة عن دفع العدو وأقرانهم ، وبعضهم قال غير ذلك ، إلى أن سمع الباي رأي الجميع بما هنالك. وكان الفارس الهمام ، والأسد الضرغام والبطل الشجاع ، والصنديد المطاع ، الذي للغيظ كظّام ، النّافع لمن انضم إليه