للقتال وقالوا للباي لا يحلّ لنا البقاء من ورائهم ، إذ لا طاقة لنا بعد موت الإخوان ، ولا صبر لنا على مفارقة الأقران ، وقاتلوا شديدا ، وطعنوا العدو طعنا عتيدا ، فسبحان من يجعل الخذلان في العدد الكثير العرمرام والنصر بالأقل فهو المالك العلّام. فرجع الباي بجيشه منصورا ، وأعلامه تخفق عزا وسرورا ، ودخل لوهران وجمعه موقر محترم ، وأيامه مقبلة وشمله منتظم ، ومكث بها أياما يسيرة ، في راحة ونعمة كثيرة.
عودة الدرقاوي للظهور
ثم سمع بالدرقاوي قد جيّش جيوشا قوية ، وأنه نازل بجديوية فجمع عساكره المنصورة ، وجيوشه المؤيدة المبرورة وخرج له من إيوانه بالبحور الزواخر ، وبالرجال السادات الكرام الزواجر ، الذين يقدمون الموت ويؤخرون (ص ٢٦٩) الحياة ، وعند الشدة والضيق / يحصل بهم الفرج والاتساع وتكون النجاة وأسرع لقتاله ، طالبا لمحاربته ونزاله إلى أن وصل للموضع المسمى بأجديوية ، وقاتله وحاصره إلى أن أتى المخزن على عامة درقاوة في الأقاويل المروية وقد أفنى مخزنه عامة درقاوة ، وصيرهم للضّلالة والشّقاوة ، وخمدت شوكة باقيهم وفاز بالغنيمة لاقيهم قتل في ذلك اليوم نحو ألف درقاوي ، وبقيت المحلة بما فيها في يد الباي ومخزنه وغنم مال أهل المساوي ورجع لوهران فارحا بالغنيمة العظيمة ، وقتله للعدو المقتلة الجسيمة فاستقرّ بها واستراح ، وحصل له الانطراب والانشراح ، وبقي على ذلك أياما عديدة ، وليالي مديدة في سرور ونخو ، ولعب ولهو ، فبينما هو في إيوانه مع أرباب دولته جالس ، ومستيقظ لأموره وليس عنها غافل ولا ناعس ، إذ جاءه الخبر بأن الدرقاوي بتافنة في جيش جديد ، كأنه البحر المديد والجراد المنتشر ، مغطيا السهل والوعر ، وهو الرجل المنفش المسمى بأحمد بن الأحرش ، ومعه أمة من الطلبة ، سالكين معه اقتحام العقبة ، لما شاهدوا عنده علوم الخنقطرة ، والشعوذة المنفطرة ، ظنا منهم أن ذلك من الأسرار الإلهية ، ولم يعلموا أنها من الأمور السحرية الواهية ، فخرج له فورا بعساكره ومخزنه المبرور ، الفائزين بالسعي المشكور ، وأسرع في سيره وأردف المراحل ، سائلا من مولاه الإعانة في المقاصد والسوائل ، إلى أن بلغه بوادي تافنة ، وأطلق