بأسهم عند تلاقي الصفوف فلا يعرفون الحيرة وإنما دأبهم الموت وليس من شيمهم الهروب ، فالقاضي عندهم قريب والعاصي لهم طائع منيب ، والصّعب عندهم سهل وكل واحد منهم ظريف لبيب.
أعراش المخزن الوهراني الخمسة
والمخزن مهمى قيل له في دائرة وهران فهو خمسة أعراش جالية : الدوائر ، والزمالة ، والغرابة ، والبرجية ، والمكاحلية ، فهم نجوع شداد في الحرب ، ولبعضهم بعضا متوالية وكلمتهم تحت كلمة واحد بلا مخالية غير أن النجوع الأربعة هم مخزن الباي ، والخامس وما انضم إليه هم مخزن الخليفة سديد التدبير والرأي. وغير هؤلاء كالحشم وبني شقران وبني عامر ومجاهر ، فهم أعراب رعية نائبة ليس لهم جرأة في الحروب وظفر الظافر ، وإن كان عددهم كثير ، فالمخزن أهل جراءة (كذا) ورأي وتدبير ، فأمره الباشا بالغزو على عريب ، وكان ذلك لا يتعقل لعدم تصرف باي الغرب في غير رعيته بكل وجه بعيد أو قريب ، وبعد مكانهم عنه بالأحوال السوية ، إذا حال بينه وبينهم باي المدية ، فنهض الباي من ساعته وهو في أحوال خرجت عن إرادته وكان ذام حزم وجزم وعزم وكياسة ، ووزراءه ذوي تدبير ورأي وشجاعة وبسالة وسياسة ، فجمعهم وعرفهم بالخبر ، فأشاروا عليه بأنه لا بدّ من فعل هذا الأمر ، لأنها مزية عظيمة أن بلغوا منها مناهم وفرحة شديدة أن وصلوا لمنتهاهم ، فاتفق رأيهم على ذلك وتحققوا بأن الأمر هو ذلك ، وتواصوا / بعدم إفشاء هذا السر بل يجعل ذخرا ، (ص ٢٧٦) وخرج الباي بجيشه من وهران بجر الأمم فتعمر به أرض وتخلا به أخرا ، إلى أن وصل وادي دردر وما به من خشفة ، أمر برد أثقال المحلة وضعيفها إلى أبي خرشفة ، وركب أول نهاره وسار في الفيافي طول نهاره ، لا يلقي إلا النعام والغزلان وطائر الجو من الحداء والغربان ، وبات يسير سيرا شديدا ، ومخزنه بالظفر طامعا وفارحا بالواقعة إلى أن طلع النهار وعيونه ما بين الذاهبة والراجعة ، إلى أن بلغ لحيهم ونجعهم ، فأرسل عليهم مخزنه بجمعهم ، وأوقع فيهم جيشه أسرا وقتلا ونهبا ، وزادهم طعنا وضربا ولا عرفت عريب من أين أقبلت تلك الجنود الداهية عليهم ولا من هي لاختلاف ملابسها وأشكالها ،