خروج الباي من وهران في طريقه إلى تونس وعصيانه
قال فامتثل الباي لذلك وتزود زادا كثيرا ، وجمع من مخزنه جيشا عرمرما غزيرا ، وخرج من وهران يروم تونس وفقا لما أمر به وصاحب الغيب أعلم بما في غيبه ، ولما نزل وادي يلّل ، الذي بان به فساده والخبل ، حدثته نفسه برفض الترك والخروج عن طاعتهم في سرّه وعلاه ، والدخول في سلك سلطان المغرب مولاي سليمان بن عبد الله (١) فأصبح معلنا بقتل الأتراك يا للعجب ، جازما بالدخول في طاعة سلطان الغرب ، فقتل كلّ من كان بقربه من الأتراك ولو أصهاره ، وأمر بني عامر بقتل محلة الترك التي عندهم فقتلوهم خديعة بالتفرقة على الخيام ولم ينج إلّا من نجّاه الله واختاره ، وتمادى على ذلك ولا حصل له في رأيه وهن ، ولما سمع الباشا غضب وعلى جيشه حزن ، ودخل على قارة باغلي صهره خليفة الكرسي بمن معه من الأتراك لمازونة وسكن ، وكر الباي راجعا لوهران ، بمشاورة أعيان مخزنه خديعة منهم له حيث فعل ما لا يليق ، وغرضهم القبض عليه وصيرورته في الكبل الوثيق ، فبينما هم لوهران داخلون ، وإذا بالسفن المشحونة بعسكر الأتراك في البحر وهم بالمرسى نازلون أتوا ليتطلعوا على حقيقة الأمر وما سبب ذلك ، كما جاء عمر آغا في البر بمحلة عظيمة قاصدا لوهران على ذلك ، فدخل الباي محله وقد سمع بذلك ، فجزم بإلقاء النار / في خزنة البارود ، لتصير المدينة عاليها سافلها ولم ينج منحوس ولا (ص ٢٨٠) مسعود ، وأنه ميت معهم ما فيها المحالة ، فصعب ذلك على المخزن وأهل البلد واشتد بهم القلق والوجالة ، فصعد له المخزن للدخول عليه ومعهم كبراء البلد للقبض عليه ونهيه على فعله ، فلم يدع أحدا يدخل عليه وزاد في قوله وفعله ، فصرخت الناس بالاستغاثة وهرب من يطيق الهروب وأيقنوا بالهلاك بغتة دون الحروب ، فعند ذلك صعد له العلماء وبأيديهم المصاحف وصحيحا البخاري ومسلم ، وناجوه من بعيد وأروه ذلك ووعظوه بليغا فأذن لهم في الدخول وأمنهم وقال من شاء تأخر ومن شاء تقدم ، فدخلوا عليه وصبروه ووعظوه ، وبقضاء الله لزموه وللموت لحّظوه ، فثبت يقينه وزال ما به من الغضب ، وعلم أن ذلك حيلة
__________________
(١) حكم السلطان سليمان عبد الله من سنة ١٧٩٢ م إلى ١٨٢٢ م.