على براءة من هذا الكلام الوارد ، فإنه لم يستشرنا ونحن من جملتكم ، وإنما ذلك رأيه هو أدرى بأحواله منّا ومنكم.
ثم أنه لما قتلهم وحاله استبشر ، رحل من عوّاجه وهو في نخوة ودخل المعسكر وكان في قلبه وجل من القائد عبدي وأبي الأقدار لعلوّ كلمتهما عند العرب والترك في السرّ والإجهار وميل أصحاب الجزائر لهما لما فيه الغاية ، وربما تتولد له منهما النكاية ، وقد ضرب على الحشم الخطية الكبيرة ، والعقوبة المالية العسيرة ، رأى أنه لا تكمل له الأيام ، ولا تتم له الفائدة إلا بقتل هذين ، التركيين القيام ، بعثهما لقبض تلك الخطية ، ومراده قتلهما لتكون لهما الرزية ويتهنا من أمرهما ويستريح ، وينفرد في مملكته من المليح والقبيح ، فذهبا لقبض تلك الخطية ، ولما وصلا للحشم قالوا لهما جئتانا لإتمام الرزية ، بالأمس قتلتم قوادنا ، والآن جئتما لأخذ مالنا وقد جرحتم أكبادنا ، وغرضكم إتمام النكاية فستريا ما لكما فيه من النكاية ، وبادروا لقبضهما ، لأخذ الثأر في نفلهما وفرضهما ، ففرّ عبدي هاربا وأتبعه الحشم إلى أن دخل لخيمة سيدي الأعرج من أولاد سيدي محمد بن يحيى وجلس عند النساء للحرم فدخلوا عليه وأخرجوه منها جبرا على السيد المذكور بالاشتهار ، وقطعوا رأسه كما قطعوا رأس أبا الأقدار ، وقالوا هذا ثأر القواد ، الذين ذهبوا لجنة الخلود فاذهبا لجهنم وبيس المهاد ، وبعثوا بالرأسين للتجيني وقالوا له على عبدي هذا رأس الباي حسن ، وعلى أبي الأقدار هذا رأس خليفته كثير المحن فاستراح الباي بفعله بالتركيين والحشم ، ولم يبال بما سيأتيه من الغم والهم.
تآمر الحشم مع التيجاني ضدّ الباي حسن
ثم أن الحشم حثوا على التيجني حثيث الاحتباك / في القدوم معهم لقتال (ص ٣٠٤) الأتراك ، ولما رجع الباي لوهران ومكث بها مدة في أمن وأمان ، قام عليه التيجني في جيش عظيم يريد المجاجنة من أهل الصحراء ، واليعقوبية وستمائة رجل من التجاجنة ، ووصل لغريس في خريفة اثنين وأربعين ومائتين وألف (١)
__________________
(١) الموافق أواخر عام ١٨٢٦ م.