ولذلك نتكلم على هاته القارة كلاما عاما ونذكر أسماء ممالكها وقواها إذ هذا كاف في المقصود من هذا التأليف ، حيث أن المقصود هو معرفة الممالك الآمنة من غيرها ، سيما ونحن سنذكر إن شاء الله تعالى في المقصد تفاصيل ممالك مهمة ، منها. فيقاس عليها غيرها ، إذ هي متشابهة على التقريب. وإنما نفرد دولة الروسيا لمخالفة سيرتها للبقية ، وأما الدولة العلية فقد تقدّم الكلام عليها في قسم آسيا ، فأحكامها جارية في الجميع على السواء غير أنها لما كانت لها في قسم أوروبا ولايات ممتازة وولايات غير ممتازة فنعيد ذكرها هنا أيضا ، وعلى ذلك فنقول :
«إن أوروبا تنقسم إلى دول جنوبية ودول وسطى ودول شمالية وجميعها ثمانية عشرة مملكة كلها نصرانية إلا الدولة العلية كل منها مستقل عن الآخر وإن كان بعضها يتألف من أكثر من مملكة واحدة ، فالدول الجنوبية ستة وهي :
الدولة العلية ، والجبل الأسود ، واليونان ، وإيطاليا ، وإسبانيا ، والبرتغال ، والوسطى ستة أيضا وهي :
فرنسا ، وأسفيسرا ، والبلجيك ، وأوستريا ، والصرب ، والرومانيا ، والشمالية ستة أيضا وهي :
الروسيا ، والسويد ، والدانيمرك ، وهلاندة ، وألمانيا ، وانكلترا.
الفصل الحادي والعشرون
فأما الدولة الأولى فهي الدولة العلية وتختها القسطنطينية ، فحالتها العامّة تقدّم الكلام عليها وأما الخاص منها بهاته القارة فإن لها ممالك رحيبة فمنها ما هو ممتاز ويؤدّي أداء سنويا معلوما وإدارته في نفسه مستقلة ، كولاية البلغار التي قاعدتها صوفية فإنها بعد معاهدة برلين الناتجة من حرب سنة ١٢٩٤ ه التي سيأتي تفصيلها في المقصد إن شاء الله تعالى ، صارت هاته الولاية إمارة نصرانية مستقلة وإدارتها على نحو الإيدارات العامّة في ممالك أوروبا ذات القوانين التي يرد الكلام عليها عن قريب إن شاء الله تعالى.
وأغلب سكانها بلغاريون وبقية سكان الإمارة من المسلمين واليونان ، وكل منهما في أشدّ الضنك لا سيما المسلمين من قساوة القسم الغالب الذي صارت له السيادة على الجميع ، لأنهم ولئن كانوا ظاهرا إدارتهم حرة قانونية لكن الباطن استبدادية تحت إشارة الروسيا المستبدة الموادة للإمارة المذكورة ، وهاته الإمارة ليس لها حق في إنشاء حصون على حدودها والحصون التي كانت فيها للدولة تهدم بمقتضى معاهدة برلين ، وعساكر الإمارة يكونون من الأهالي وأغلب رؤوسائهم الآن من الروس وإلى الآن لم يتعين مقدار الأداء السنوي الذي يلزمها أداؤه للدولة العلية بسبب التراخي عن إجراء جميع فصول معاهدة برلين ، وكذلك للدولة العلية في هاته القارة ولايات أخر مستقلة في الإدارة وما زاد من دخلها عن مصارف مصالحها الذاتية يؤدّى إلى خزنة الدولة ، إلا الكمرك والدخان فهما راجعان للدولة ، وهاته الولايات نصرانية وشروط واليها أن يكون نصرانيا يولى من الدولة