أواسط هذا القرن أخذت في الإتحاد إلى أن تم إتحادها بجعل مدينة رومة تختالها في سنة ١٢٨٧ ه ، وصارت دولة من الدول العظام ، سكانها نحو سبعة وعشرين مليونا ويحدها البحر الأبيض من الغرب في البعض ، وفي الباقي فرانسا ، ويحدها جنوبا البحر المذكور ، ويحدها من الشرق بحر البنادقة في الجل وفي البعض أوستريا ، ويحدها شمالا أوستريا في البعض وفي الباقي سفيسرة وفرانسا ، وسيأتي مزيد الكلام عليها بانفرادها في المقصد إن شاء الله تعالى.
الفصل الخامس والعشرون
وأما الدولة الخامسة فهي دولة إسبانيا ، وقد كانت متلاشية في شمال الأندلس ولما أكب المسلمون هناك على شهواتهم وعملوا بالظلم بعد أن بلغوا الدرجة القصوى من العدل والمعارف والقوّة حتى فتحوا قسما عظيما من فرانسا ثم تركوا ما كانوا عليه وانقسموا ملوك طوائف كما قال شاعرهم : (١)
مما يزهدني في أرض أندلس |
|
ألقاب معتضد فيها ومعتمدي |
ألقاب سلطنة في غير موضعها |
|
كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد |
فحينئذ استعانت دولة الاسبنيول بذلك الإنقسام والظلم ، وأعانت بعضهم على بعض وتستبدّ هي بالفائدة إلى أن تسلطت على الجميع ، وفعلت من التوحش والقسوة ما تنفر عن سماعه الآذان ، حيث ألزمت المسلمين إما تبديل دينهم أو القتل ، فهرب من قدر منهم على النجاة أفواجا أفواجا حفاة عراة وتشتتوا في المغرب والجزائر وتونس أيدي سيا ، ثم استفحل أمر تلك الدولة أي الإسبنيولية إلى أن كانت هي وحدها إذ ذاك ذات التقدّم على سائر الدول الأوروباوية لما فازت به من ثمرات فنون المسلمين وصنائعهم ، وكانت وحيدة في القوّة البحرية حتى أن أوّل من اكتشف أمريكا كان من أسطولها كما سيأتي ذكر ذلك إن شاء الله تعالى.
وعمرت مستعمرات في أمريكا والبحر الهندي وأفريقية ، غير أنها فيما بعد أثخن فيها الإستبداد جراحة سنة الله في أرضه فتقهقرت إلى أن كادت أن تتلاشى ، وخرج عنها كثير من مستعمراتها وخربها الظلم ونقصت فيها الأنفس والأموال والثمرات ، إلى أن استفاقت الأمّة من غفلتها وثاروا ثورة واحدة حتى حصلوا على ترتيب دولة قانونية ، وامتدّ أمرهم في تحصيل مقصودهم بضع سنين وهي من سنة (١٢٨٦ إلى سنة ١٢٩٣ ه) ، فاستقرّ حالهم على حكومة حرّة وملكوا عليهم ابن ملكتهم السابقة التي ثاروا عليها بعد أن سيروا الحكومة
__________________
(١) هو محمد بن عمار المهري الأندلسي الشيبي أبو بكر (٤٢٢ ـ ٤٧٧ ه) وزير شاعر هجاء يلقب بذي الوزارتين. قتل في أشبيلية ذبحا على يد المعتمد. الاعلام ٦ / ٣١٠ المغرب في حلى المغرب ١ / ٣٨٩ و ٣٩١ وفيات الأعيان ٢ / ٥.