الأبيض ، وغربا الجزائر ، وجنوبا الصحراء الكبيرة وطرابلس.
الفصل الثالث والأربعون
المملكة الرابعة هي طرابلس الغرب
وهي مملكة إسلامية من عهد سيدنا عمر رضياللهعنه ، وكانت في أيام دولة الرومان والقرطاجنين في غاية العمران والخصب وإن كانت المياه بها قليلة لكن الآثار القديمة دالة على إخراج منابع الماء بها من العيون والآبار وحفظ ماء المطر غير أنها الآن قليلة الخصب والسكان ، فسكانها لا يتجاوزون المليون والمعمور منها أودية خاصة وقاعدتها طرابلس ويتبعها ولايات مثل برقة وغدامس وفزان وبنغازي ، وهاته الأخيرة تارة تفرد بالإدارة وتارة تتبع طرابلس ، وقد استولت الدولة العثمانية على هاته المملكة في المائة العاشرة من الهجرة سنة ٩٥٨ ، وذلك أن الدولة الحفصية التي قاعدتها تونس لما ضعف أمرها واستبدّ عليها الولات في الأطراف كان من جملة من عصى عليها والي طرابلس التي كانت تابعة لها ، وجار في الأهالي فتجهز إليه السلطان الناصر الحفصي وغلبه وأولى على طرابلس أبا محمد عبد الواحد ابن حفص فقبل الولاية بعد امتناع طويل على شروط.
أوّلها : إبقاءه واليا إلى أن يعيد البلاد إلى أعزّ ما كانت عليه من الغناء والراحة.
الثاني : أن يستقل بالإدارة مدّة ولايته بحيث لا يعارض ولا يرد أمره في شيء.
الثالث : أن ينتخب مقدارا من العساكر حسب إرادته لإبقائهم في إعانته ، فأجيز له ذلك وبقي في الولاية إلى أن مات وولى ابنه الذي هو على شاكلته فاستقرّ العدل والغناء في المملكة حتى بلغ النهاية ، وأخلدت الأهالي إلى الراحة وترك السلاح لما ضجروا منه سابقا حتى كان ذلك سببا لطمع العدوّ فيهم ، وذلك أنه قدمت إلى ثغر طرابلس سفينتان مشحونتان تجارة فاشترى جميع ما فيهما رجل واحد ونقد الثمن حالا واستدعى من فيهما لوليمة أعدّها لهم ، وبعد إحضار الطعام أخذ لؤلؤة فاخرة ذات قيمة عظيمة ودقها في الهاون بمرأى منهم وذرها على الطعام قائلا هذا لكم مقام الفلفل ، ثم أحضر بطيخة خضراء وأراد قطعها فلم يجد سكينا فسأل منهم سكينا ولما سئل عن سبب عدم السكين عنده ، قال : إن الأهالي كانوا ضجروا من حمل السلاح ليلا ونهارا أيام الظلم والعدوان ، ولما استقرّ الأمن والعدل صار السلاح بيننا حمله معيبا ومن حمله أهين بين الأهالي. فتعجب المدعوون الذين هم من الإسبنيول القائم في ذلك الوقت كما يرد خبره في تاريخ تونس ، فأخبر أصحاب السفن دولتهم بما رأوا فطمعت في طرابلس وكان عندها ابن السلطان الحفصي مستنجدا بها على أبيه ، فحملت بجيش قليل على طرابلس وامتلكتها بإسم أحمد الحفصي الابن المذكور وجار في البلاد أشدّ الجور هو والإسبنيول ، ولما رأى ذلك النابلطان الذي هو أحد ممالك إيطاليا تداخل بين الأهالي بالإفساد ووعدهم بالحماية من الظلم وأنهم إذا أطاعوه حماهم من المظالم ولا يتداخل في أمورهم وإنما يستولي على الحصون فقط ، فكان ما كان وأجرى