فيهم الأمر أوّلا على نحو ما وعد ثم ابتدأ بالتداخل في أمرهم فامتنع بعض أعيان الأهالي وتحصنوا في «تاجوري».
وكانت الحرب بينهم قائمة غير أنهم علموا بضعفهم عن امتداد المقاومة فأرسلوا وفدا منهم إلى الأستانة مستنجدين بالدولة العثمانية في إنقاذهم ودعوها للإستيلاء على جميع البلاد حيث كانت هي إذ ذاك أقوى دول الإسلام وجمعت تحت رايتها أغلب الممالك الإسلامية كمصر والشام والعراقين ، ولما وصل الوفد إلى الأستانة تعجب من شكلهم كل من رآهم ولم يجدوا أحدا يفهم لغتهم حتى صادف أحد الطواشيين في القصر السلطاني الجمع المحتبك للتفرّج فيهم وكان عالما باللغة العربية فعلم القصد وكان هو الواسطة في إبلاغ مطالبهم للدولة ، فأولته هو على تلك البلدة وأرسلته معهم مع حامية ضعيفة لأنهم سهلوا الأمر على الدولة ، لكنه لما أن وصل ذلك الوالي وعلم حقيقة الأمر أرسل بتفصيل الأخبار إلى الدولة وكان إذ ذاك أسطولها الموجه إلى الإستيلاء على تونس على أهبة السفر تحت رياسة سنان باشا فأمر بالتعريج على طرابلس أوّلا فافتكها من أيدي النابلطان وبقيت مستقلة بالإدارة وليس للدولة عليها إلا هدايا وإعانات في وقت الحرب ، إلى أن عصى يوسف باشا قره منلى وحاربته الدولة في أواسط هذا القرن أي سنة ١٢٥١ ه واستولت استيلاء باتا على المملكة وصارت إدارتها مثل إدارة سائر الولايات العثمانية ، ومركز الولاية مدينة طرابلس الغرب وسكانها يميلون للبداوة ولو أهل المدن ، ويحدها شرقا مصر ، وشمالا البحر الأبيض وتونس ، وغربا تونس ، وجنوبا الصحراء الكبيرة.
الفصل الرابع والأربعون
المملكة الخامسة : هي مصر ، وإجمال الكلام عليها أنها مملكة إسلامية مستقلة بالإدارة تابعة للدولة العثمانية ، وقاعدتها مصر ويتبعها ممالك مثل النوبة ودارفور وكردفان وزيلع وغيرها من ممالك السوادن ، وجميع سكانها مختلف في عددهم من الثلاثة عشر مليونا إلى الستة عشر مليونا والأخير باعتبار الإضافات اللاحقة بها أقرب ، وحكمها ظاهرا قانوني بين شرعي وسياسي ، ويحدها شمالا البحر الأبيض والصحراء ، وغربا طرابلس ، وشرقا الشام وجزيرة العرب والبحر الأحمر ، وجنوبا الحبش والسودان والصحراء الكبيرة ، وتفصيل الكلام عليها يأتي في المقصد إن شاء الله تعالى.
الفصل الخامس والأربعون
المملكة السادسة : هي الحبشة ، ويحدّها من جميع جهاتها السودان المصري وعدد أهلها نحو خمسة ملايين على التوحش والبربرية ، والديانة عندهم الغالبة نوع بين النصرانية واليهودية والوثنية ، أعني أنها كانت نصرانية ثم امتزجت بفروع من تلك. والحكم إستبدادي متوحش ولا يعرفون حقائق العلوم ولا التمدّن ، ولذا لا يعلم كم دخلها ولا خرجها ، وهي لا تزال في ضعف من الحروب الأهلية ، وبين أهلها كثير من المسلمين دخلهم الإسلام من عهد البعثة.