الدول الأوروباوية عليهم الذين كانوا يجرون فيهم الحكم الإستبدادي الظالم ، وأما أقلهم فإنهم من الأهالي الأصليين الذين : إما أنهم تناسوا التمدن أو لم يعرف فيهم ولم يحسن الغرباء معاشرتهم وإنما عاملوهم معاملة الوحوش وأطردوهم أو أفنوهم من ديارهم فبقوا على الجهل والتوحش ، وفي بعض الأماكن لا تساعدهم طبيعة الإقليم على شيء ، فقد ذكروا أن في الجهات الضاربة لأقاصي الشمال قوم ينحتون من الجليد بيوتا ويجعلون لها مضاوي نحتا ويسدونها بطبقات من الجليد الصفيق ليمنع مرور الهواء ولا يمنع الضوء ، ويبقون في تلك الدهاليز ليالي الشتاء الطويلة التي هي أغلب أيام السنة عندهم ويكتسون بجلد عجل البحر ويأكلون لحمه ويوقدون عظمه ، ومن أغرب ما يحكى عنهم أنهم يطبخون اللحم المذكور في قدور من الخشب ، وصورة طبخهم أنهم يتخذون من بعض الأشجار التي تنبت في الأرض الجليدية قدورا يضعون فيما تجوف منها اللحم ويصبون عليه الماء ثم يأخذون الحجارة ويحمونها في النار إلى أن تصير حامية جدا فيلقونها في القدر فتطفأ ويسخن الماء بحرارتها ثم غيرها وغيرها إلى أن يصل الطبخ إلى الإعتدال الذي اعتادوه ، وربك يخلق ما يشاء ويختار وهو القادر الفعال.
القسم الخامس من الأرض أستراليا
هي مجموع جزائر جهة الجنوب من المحيط الشرقي قبالة الهند ، والظن أنها كانت متصلة بشبه جزيرة سمطرا قديما وفصلتها زلازل هائلة قديما كما يتبين من النظر إلى الخريطة ، ويدعى أن أعظمها اكتشف منذ أقل من مائة سنة ، والحال أن بها سكانا نحو مليونين من البشر وفي لونهم السوداني أشكال من جهة التعليل بأن سواد اللون من كثرة الحرّ تحت خط الإستواء مع أن عرض أعظم جزيرة هناك يبتدىء من عرض خمسة وثلاثين جنوبيا وذلك العرض من المناطق المعتدلة ، مع أن الأهالي الأصليين سود وكلهم متوحشون وإنما يفترقون في شدّة التوحش وضعفه ، وقد أخذت بعض الجهات في التمدن شيئا ما ، وكل هاته الجزائر تحت تسلط دول أوروبا وأغلبها تملكا الدولة الإنكليزية ، وقد جعلت أوستراليا منفى لأصحاب الجرائم العظيمة ، فبالتغرب والحكم المشدد هناك تهذبوا وتقدموا شيئا فشيئا إلى أن أنكروا على الدولة الإنكليزية نفي المجرمين إليهم لأنهم ليسوا بأهل لمعاشرتهم ، ثم أخذوا استقلال إدارتهم برضاء الدولة الإنكليزية ولا زالوا تحت حمايتها.
وبقية دواخل الجزر مجهولة إلى الآن وهكذا جهة القطب الجنوبي ، واكتشف النوتية منذ أربعين سنة على أرض في تلك الجهات واسعة ولم يروا فيها سكانا ، وإلى الآن لم يزل البحث على ما فيها وما ورائها ، وكذلك سنة ١٢٩١ ه اكتشف نوتية من النمسا أرسلتهم دولتهم للإكتشاف على أحوال القطب الشمالي في باخرة تامة التجهيز فرجعوا بعد عامين بعد أن خلصتهم باخرة روسية عندما كادوا أن يهلكوا لانكسار باخرتهم بالجليد ورجوعهم في قوارب صغيرة ، فأخبروا باكتشافهم لأرض واسعة في درجة ثلاثة وثمانين وأنهم لما