المقصد الأول
الباب الأول
في سبب سفري
فصل : قد عرض للعبد الحقير السفر إلى أوروبا ثلاث مرار إلى هذا التاريخ وهو سنة ١٢٩٧ ه ، فأما في مرتين وهما الأوّليتان فكان السفر لأجل التداوي فقط على ما سيأتي بيانه ، وأما المرة الثالثة فكانت لما ذكر أيضا ولأشغال سياسية أوعز إليّ بها الوزير ، ثم عند رجوعي من هاته الثالثة نقض المذكور غزله وحملني على مفارقة الوطن حفظا لما يوجب الله عليّ حفظه ، فوجهت القصد إلى أداء الحج المفروض والتشرف بزيارة أعظم الرسل ـ عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام وعلى آله الكرام وخلفائه الأعلام وأصحابه الفخام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ـ ثم استقررت بالقسطنطينية العظمى ثم سافرت إلى أوروبا رابعا سنة ١٢٩٨ ه ، وعدت إلى الأستانة وسنفرد كل مملكة شاهدتها بباب خاص نذكر فيه أحوالها وما شاهدته فيها ، كما أني أبين في هذا الباب المرض الذي حملني على السفر وما قيل في التداوي شرعا وما عولجت به ، وحيث كان لأصل النشأة والإقليم دخل عظيم في العلاج كما قرره الأطباء المتقدمون والمتأخرون ، لزم أن نذكر طرفا من حال نشأتي ونفرد كل قسم من هاته الأمور بفصل خاص ، والله المستعان.
فصل في نشأتي
اعلم أن نهاية ما نعلم من نسبي هو ما يذكر وهو : أنني محمد بن مصطفى بن محمد الثالث ابن محمد الثاني ابن محمد الأول ابن حسين بن أحمد بن محمد بن حسين بن بيرم وهذا الجد الأعلى قدم إلى تونس عند قدوم سنان باشا وزير الدولة العلية مع العساكر العثمانية لفتح تونس من يد الإسبنيول سنة إحدى وثمانين وتسعمائة ، ثم أقام بها وتزوج بابنة ابن الأبار (١) أحد وزراء الأندلس وعلمائها ، صاحب القصيدة التي يستغيث بها على لسان
__________________
(١) هو محمد بن عبد الله بن أبي بكر القضاعي البلنسي أبو عبد الله ابن الأبار. (٥٩٥ ـ ٦٥٨ ه) مؤرخ أديب قتل في تونس قعصا بالرماح. الأعلام ٦ / ٢٣٣ نفح الطيب ١ / ٦٣٠ الوافي بالوفيات ٣ / ٣٥٥ فوات الوفيات ٣ / ٤٠٤ رقم الترجمة (٤٧١) شذرات الذهب ٥ / ٢٧٥.