قطرنا بتأليفه «أقوم المسالك». مع امتناعي سابقا عن كل وظيفة لما أعلم من خمول الإنصاف وظهور الإعتساف ، وعندما غلب على الظن حصول الجدوى بولاية الشهم المذكور أجبت استدعاءه وقلدت رياسة جمعية الأوقاف التي هي من مبتكرات الوزير المذكور في تونس ، إذ رتب قانونا لها يحفظ الأوقاف وينميها بضبط لم يسبق إليه ، فاستعنت الله وبذلت مقدوري للوفاء بما عهد إلي ثم ضم إلى ذلك نظارة المطبعة وهكذا بذلت فيها مستطاعي غير أني في ذاتي تحملت من الأتعاب الفكرية والبدنية ما لم تتحمله نشأتي ، بل وكذلك الخسائر المالية لأن المرتب الذي جعل لي وإن كان في نفسه نظرا للبلاد وافرا لكنه كان غير واف بما اعتدته من المصاريف التي كنت أحصل على الوفاء بها من دخل أملاكي ومعاطاة تجارتي ، ولما استغرقت الوظيفية الأوقات للقيام بها حق القيام تعطل الدخل السابق فعوضا عن الإستغناء بالوظائف صرت أبيع من كسبي شيئا بعد شيء للوفاء بحاجات المعاش ، ولا أعد ذلك شيئا في جنب القيام بحق الوطن بل إني أحمد الله تعالى على ما أنعم.
فصل في مرضي وما عولجت به
حيث كان نسل بيتنا متوارثا فيه ضعف الأبدان وكثرة الأسقام حتى قال الجد الثاني في تأليف نسبه المشار إليه آنفا عند الكلام على أقرائه شرح صدر الشريعة على الوقاية والسبب في طول مدة أقرائه له كثرة ما كتب على مباحثه المهمة من التعاليق المختصرة والمطولة ، مع الشغل بخطة القضاء والضعف البدني إلى أن قال : «فإنا أهل بيت باض السقم في بيتنا وفرخ وشوى وطبخ نسأله سبحانه أن يجعل ما فاتنا من القوة في أبداننا قوة في ديننا وأن يعافينا ويعف عنا ويميتنا على الإسلام بلا محنة إنه جواد كريم». وقد كان الجد المذكور مبتلى بمرض عصبي أعيا علاجه أطباء زمانه إلى أن حصل له إنكماش في أصابع يديه وهو مع ذلك يطالع ويؤلف إلى أن توفي سنة ١٢٤٧ ه وهو ابن أربع وثمانين سنة لا يفتر عن التحرير والمطالعة قدس الله ثراه ، كما أن والدتي رحمها الله ونعمها كان بها مرض الأعيا يعتريها بكثرة في ركبتيها وهو من الأمراض العصبية ، وكذلك كان بها مرض عصبي في معدتها.
فلما تقدم ، كان مزاجي منهشا للمرض العصبي لأنه من الأمراض التي يعتريها التوارث ، ولما شقت عليّ الأشغال الفكرية والبدنية وكانت طبيعية إقليمي مائلة إلى الحرارة واشتد الحرّ في الصيف كنت أستحم بالماء البارد بعد التعب بالشغل نحو سبع ساعات تطلبا للنشاط والإرتياح للإستعانة بذلك على الأشغال عشية ، فارتكبت ذلك مرتين أو ثلاثا وعند آخرها حصل لي وجع شديد يكاد لا يطاق يبتدىء من فم المعدة ثم يمتد للجنبين مع مصاحبة الإسهال وتطول حصته من الساعة إلى الساعتين ، وتكرر ذلك مع شدته ولم ينجح فيه شيء من علاج أطباء بلادنا مع تنوعه وكثرة اجتماع الأطباء إليه بحيث لم أبق واحدا من مشاهيرهم لم أحضره فرادى ومجتمعين ، وغاية ما أرسى عليه حالهم هو استعمال المسكن