الله ، وتبين أن ذلك المعدن غير ملائم وهو نظري ووافقني عليه الحكيم «شاركو» وإن كان الطبيب «فيغرو» يرى أنه موافق ، بمعنى أنه لما أحدث تأثير أدل على تأثير للبدن منه ، لكني أقول : إن البدن يتأثر منه بالضرر لا النفع ولم أعد إليه ولا لغيره ذلك اليوم حذرا على البدن من كثرة الإضطراب ، ثم جربنا النحاس وهو أيضا غير موافق كما تقدم غير أنه لم يحدث هيجانا كبيرا ، ثم جربنا الفضة فلم توافق ولم تضادد بدليل موازنة ميزان القوة والنبض ، ثم جربنا الذهب فكان ملائما بحرارة البدن وزيادة القوة ونشاط النبض ، ولذلك استقرّ الرأي على عمله لكن لا يكتفي فيه بالاستعمال على ظاهر الجلد فقط بل بالشرب أيضا على نحو ما تقدم ، وكل معدن كان تجريبه في يوم خاص.
كما عولجت قبل السفر الثاني بماء «البرمور وبوتاسيوم» بإشارة الطبيب «كستلنوفو» ورأى في كميته وأوقاته كيفية رآها الطبيب «منيايني» كثيرة ، فلما استعملها مع المواظبة أكثرت على النوم حتى كدت أن أكون نائما ثمان وأربعين ساعة تماما ، والمقدار هو قدر ملعقة أكل بعد كل ساعة من الماء المذكور ، وبعد رجوعي من باريس والعلاج بالكهرباء على نحو ما مر ، بقيت على العافية ولله الحمد مدة عام إلّا ستة أيام ، حيث تراكمت الأتعاب الفكرية والبدنية وحوادث في البلد أوجب جميعها السفر ثالثا إلى باريس والإشتغال بغير الدواء في هاته المرة ، مع مصاحبة الأتعاب الفكرية أوجب عدم نجح العلاج السابق وإن خف الألم شيئا ما ، فلما عدت بعد إفراغ المستطاع وجدت الحال في الوطن غير الحال ، وأخلاق الحكومة وإن شئت قلت الوزير بخصوصه غير ما تركته عليه ، كأني أتيت شيئا على غير أمره ، وتحقق لدي ما كنت أتوقعه من السوء لكل ناصح أمين غير مبالي على سوء الأعمال كما سيرد شرحه إن شاء الله تعالى ، فعزمت على التوجه لبيت الله الحرام ملتجأ إلى الرسول عليه الصلاة والسلام لكشف الضر الخاص والعام ، فنلنا بجاهه المرام ولا زلنا نؤمل التمام مما التجأنا إليه فيه ومنه حسن الختام.
فصل في حكم التداوي شرعا
اعلم أن التداوي قد ورد بالهداية إليه القرآن العظيم كما في قوله تعالى : (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) [النحل : ٦٩] فدلت الآية الشريفة على أن العسل دواء للآلام يستشفى به منها ، كما بيّنه الحديث الشريف الوارد في صحيح البخاري وغيره من قصة الصحابي الذي قال للنبي صلىاللهعليهوسلم : «إن أخي يشتكي بطنه ، فقال له صلىاللهعليهوسلم : إسقه عسلا ، ثم عاد وأعاد الشكوى وأعاد له صلىاللهعليهوسلم صفة الدواء ثانيا ، ثم وقعت الإعادة أيضا ثالثا ، وقال الصحابي : قد سقيته وما زاده إلا انطلاقا! فقال صلىاللهعليهوسلم : إسقه عسلا صدق الله وكذب بطن أخيك ، ففعل الصحابي وشفي المريض» (١).
__________________
(١) الحديث في البخاري برقم (٥٦٨٤ ـ ٥٧١٦) وفي مسلم سلام رقم (٩١) وفي الترمذي برقم (٢٠٨٢) ـ