وأحسن من هذين المكانين هواء الجبل المعروف بالأنصارين يبعد على الحاضرة نحو ستين ميلا جهة الشمال مع بعده عن البحر فإن هواءه لارتفاعه يغلب عليه البرد ، وفي أعاليه مسارح ومزارع متسعة وعيون دافقة وأجام وغياض نضرة لا يركد فيها الماء بل ينحدر إلى أسفل والشاهد على أن هذا المكان أحسن هواء من جميع جهات القطر ، أن أهله لم يصبهم كثير من الأمراض الوبائية مع أن كل تلك الأمراض عمت القطر التونسي عدة مرار ، ولم يعلم أن أحدا من أهل ذلك المكان أصيب بشيء من ذلك ، بل إن الوافد إليه يسلم عند الحلول به وسبحان من خص ما شاء بما شاء. غير أن هذا المكان به عاهة صعباء هي كثرة الحيات المؤذية به والله لطيف ، كما يوجد بالقطر جهات وخمة رديئة الهواء ، فأولها : نفزة من عمل الجريد ، وثانيها : باجة قاعدة العمل المسمى بها ، فيغلب على أهاليها الأمراض وترى وجوههم صفرا والوافدون عليهم في أقل زمن يمرضون ، لا سيما في الصيف ، وأما غير ما تقدم فالهواء معتدل سليم.
وأما حيوانات هذا القطر ففيه أغلب حيوانات أقاليم الاعتدال أنيسة ووحشية ، فمن الوحشية الأسد وأغلبه في الجهة الغربية ويضرب المثل بجرأة أسد عرار من أقسام تلك الجهة ، والنمر في كل الأجام القليلة العمران ، والضبع والذئب والثعلب والفهد والنمس وهو النسناس والخنزير وبقر الوحش والغزال والأرنب والذربال والقنفذ والوعل والورل والجرذ على أنواع ، والبقر الجاموس كان جلب وسرح في جبال ماطر وجبل أشكل الذي تحيط به بحيرة أشكل وهي حلوى ، فتناسل هناك وتكاثر وهو على ملك الحكومة وتوحش بحيث صار إذا احتيج إلى شيء منه يلزم صيده حيا ، وقد تأخذ منه الحكومة أو بعض رجالها لجر الأثقال واللبن وقد قل في هاته المدة لكثرة صيد الولاة وعدم حراسته حقيقة.
ويوجد في القطر من الحشرات : الثعبان ولا سيما في جبال الودارنه فإنه يعظم جدا ، لكنه غير مضر هناك بحيث يكون مساكنهم كأنه من الحيوانات الأليفة كالقط وأشباهه ، وهم لا يؤذونه وهو لا يضر ولا ينضر منهم ويبلغ طول الواحد إلى ثمانية أذرع وغلظه أزيد من شبرين ، وأما في جهات الجريد والصحراء فهناك أنواع من الثعبان مضرة ، ومنه نوع يسمى «بالزريق» رقيق قوي جدا إذا قصد شيئا يطفر عليه فيخرقه كالسهم ، وكذلك الحيات القتالة وتوجد بكثرة في الشبيكا وتامغزا من الجريد والعقارب في الجهات ، غير أن كثرتها الفادحة في الجريد. وهي مؤذية ولا سيما في القيروان وفي بعض الجهات لا أذية منها كما في بارود مقر الأمراء بل لا تكاد توجد هناك ، وفي جبل المنار توجد بكثرة صغيرة الجرم لا أذية منها ، وكذلك يوجد العنكبوت وتارة يعظم إلى أن يصير في حجم العصفور الصغير وهو قليل الأذية ، وكذلك يوجد النمل على أنواع شتى وكثيرا ما يضر بالزرع من القمح والشعير ، وكذلك الجراد يأتي في بعض السنين ويضر بالنبات جميعا إذا كان كثيرا ، والخنفس على أنواع شتى ، والوزغ والحرباء وغير ذلك مما هو قليل الوجود في هذا القطر.