يزرع بها قصب السكر بكثرة ، وتسقى من عين عظيمة عذبة مارّة تحت الأرض لا يعلم منبعها وإنما هي آتية من الشمال الغربي ذاهبة إلى الشرق الجنوبي في قناة من البناء المتقن ، والآن عليها آبار كثيرة ولكن من التقهقر صارت تلك الجهة كأنها خلاء وليس بها قصبة واحدة سكرية ، إذ صار هواؤها رديئا من السبخة التي هي في شماليها الشرقي بينها وبين بساتين قرت التي هي قرب شاطىء البحر شمالي الجبل الخاوي ، وفيها جبال عظيمة من الرمل المنتقل أهلكت أغلب بساتين تلك الجهة وهي آتية من الشمال محاذية للشاطىء ذاهبة إلى الجنوب وكأنها من الرمال التي يقذفها البحر بعد التصفية مما يأتي به نهر مجردة.
والمدينة الثانية في القطر هي : القيروان ، وهي اختطتها الصحابة رضوان الله عليهم عند الفتح في مكان صالح بمعيشة حيواناتهم ، وقريب من طبيعة أرض الحجاز لتأنسهم بها ، وبعيدة عن البحر حذرا من هجمات المحاربين قبل التمكن ، وهي في الجنوب الغربي من الحاضرة في طول ٤٥ ثانية و ٣ دقائق ، وعرض ٤١ ثانية و ٣٥ دقيقة. وبها الجامع الكبير الذي بنته الصحابة ثم جدده بنو الأغلب عندما كانت تلك البلدة هي قاعدة القطر ، ولا زال بعض سقوف الجامع مما صنعه الأغالبة إلى الآن ، كما أنها فيها ضريح السيد الصحابي سيدنا أبي زمعة الأنصاري (١) رضياللهعنه ، وعليه بناآت ضخمة ومدارس للعلوم وأوقاف كثيرة.
ولتلك البلدة سور وضريح السيد خارج السور ، وفي السور منافذ ضيقة معرجة للخروج منه راجلا عند غلق الأبواب ، وعلى السور عدة حصون وهي الآن ليست على ما كانت من العمران ، وسكانها الآن نحو عشرين ألفا كلهم مسلمون ، ولا يدخل البلد غير مسلم ، وهم قائمون بجميع ما يحتاجون إليه من صنائع وتجارة ، ولا زال العلم في أهلها وبالجامع الأعظم وبمدارس السيد عدة دروس في علوم شتى.
ثم إن القطر التونسي ينقسم إلى عدة أعمال بالنظر إلى السياسة.
(١) فالحاضرة وما حولها إلى نحو عشرين ميلا من كل جهة عمل.
(٢) ويليه من الجهة الشرقية الجنوبية عمل الوطن القبلي وهو ينقسم إلى الجزيرة مما يلي الحاضرة ، وقاعدتها بلد سليمان وسكانها نحو أربعة آلاف نسمة ، وإلى الوطن وقاعدته بلد نابل وسكانها نحو خمسة عشر ألف نسمة ، وفي الجميع أزيد من ستين قرية فمما يتبع الأولى المنزل وبني خلاد والصمعة وأقليبية التي هي حصن على رأس إدار ، ومما يتبع الثاني بنى خيار وقربة والحمامات وهي حصن في الجون المعروف بها ، وفي ذلك الرأس الطويل مقرّ السادات المعاويين الثابتي الشرف رضياللهعنهم.
__________________
(١) هو أبو زمعة البلوي ، صحابي. توفي بمعركة (جلولا) بعد سنة (٣٤ ه). الاعلام ٣ / ٤٩ والإصابة ٧ / ٧٤ رقم الترجمة (٤٤٧).