المطلب الثالث في سياسة القطر الخارجية :
اعلم أنه لم يكن من الدول جميعا معارضي للسياسة المتقدمة حتى أن الدولة الإنكليزية كانت مراقبة لحركات ولاة القطر معارضة لكل ما يخالف التبعية للدولة العلية ، مما يظهره بعض الدول والولاة ، وقد كانت تشدّد في ذلك بعد استيلاء الفرنسيس على الجزائر ، حتى أنها لم ترد أن تقبل أحمد باشا في سفره إلى أوروبا إلا بواسطة سفير الدولة العلية ، وعدل هو عن زيارتها لمخالفة ذلك للعوائد معه حيث كانت تقبل رسله بلا واسطة ، غير أنها بعد حرب القريم أغضت وقصرت من مسلكها إرخاء للعنان مع من يريد زيادة النفوذ من الدول ، كي يعوضها بمثله في الجهات التي لها فيها منافع مع وجود الإستناد الرسمي للدولة العلية ، الذي كانت تحوم حوله فتستند لذلك عند الحاجة.
وأما دولة إيطاليا فإنها كانت في المدة السابقة متفرقة ولما اتحدت وصار لها اعتبار التعديل في السنين الأخيرة ، فكانت موافقة لسائر الدول رسما وعلنا ، وفي السر ينزع بعض متوظفيها لما صارت تنزع إليه دولة فرنسا على غير الطريقة الرسمية ، وذلك لأن باتحاد إيطاليا صارت مشاركة للدول العظام في النفوذ في البحر الأبيض وتطلب المنافع التي تناسبها في جوارها ، ثم إن وحدة إيطاليا وجعل تختها مدينة رومة أحيت رسم خريطة الإستيلاء على قرطاجنة تذكارا لملك الرومانيين ، غير أنها لم تحم حول ذلك الحمى جهارا لما تقدم من حق الدولة العلية ولأن دولة فرنسا ناشرة لواء السطوة وسياستها لا توافق على ذلك ، فصارت إيطاليا محافظة على إبقاء ما كان على ما كان.
وأما دولة فرنسا فإنها لم تخالف تلك السياسة ولم يكن يعنيها أمر تونس وعلاقتها بالدولة العلية إلى أن استولت على الجزائر للأسباب التي سترد في الباب الخامس عند الكلام على الجزائر ، فمن ذلك التاريخ صارت متحذرة من زيادة تداخل الدولة العلية في القطر التونسي لأسباب :
منها : أن الجزائر أصلها تابعة للدولة العلية ولم يكن استيلاؤها عليها بحرب مع الدولة العلية وإنما اضطرّ إليه الحال في الإنتقام من والي الجزائر لإهانته نائب فرنسا.
ومنها : أن نفس الإستيلاء على الجزائر إنما تم بعد سنين ، وحروب طويلة مع أهلها وما زال أهلها يدينون في عقيدتهم بالخلافة للسلطان العثماني.
ومنها : أن مجاورة دولة قوية مثل الدولة العلية توجب مشاحنات يقتضيها الجوار ، ولا تذعن إحداهما للأخرى بسهولة بخلاف ما إذا كان الجار ضعيفا فما هو إلا أن يؤمر فيتبع.
وشاهده : أن بمجرّد ما تم أخذ الجزائر سنة ١٢٤٥ ه ، قدّمت فرقة من الأسطول الذي كان على شطوط الجزائر وطلب رئيسها من والي تونس زيادة في الشروط ، منها : أن لا تختص الحكومة التونسية بمتجر بل ولا تتجر ، ومنها : إبطال التلصص بالسفن على السفن التجارية وإبطال ملك الأسرى وإبطال ما اعتيد من الهدايا ، وأن يكون للفرنساويين