مصطفى آغه وزير الحرب وخير الدين وزير البحر والوزير إسماعيل السيني والوزير محمد وكاتب أسرار الوالي أحمد ابن أبي الضياف ، وأذنهم باستخراج أحكام سياسية تدور عليها أعمال الحكومة ، واستخراج أحكام فرعية في الحقوق الشخصية يجري بها الحكم في القطر ، وأذن أن يكون شيخ الإسلام محمد بيرم الرابع أحد أعضائه فامتنع من الحضور دون مشارك : من العلماء الحنفية والمالكية ، واستقرّ الرأي على إضافة الشيخ محمد ابن الخوجة (١) المفتي الحنفي والشيخ أحمد بن حسين رئيس الفتوى في المذهب المالكي والشيخ محمد البنا المفتي المالكي وهؤلاء الأعلام الأربعة هم أكبر علماء القطر إذ ذاك ، فحضروا أوّلا ثم امتنعوا واكتفوا بأن كتب كل منهم شرحا منفردا على الإحدى عشرة قاعدة المار ذكرها ، أبدوا فيها الأحكام الشرعية المطابقة لتلك القواعد واقتصروا على ذلك متعللين بأن الذي بدا لهم من مغزى الجماعة هو الميل البحت للسياسة الساذجة من غير التفات إلى محاذاة الشرع ، بل وربما عرض ما يصادم القواطع ، وحيث كان عمل المجلس على ما يستقر عليه رأي الغالب لم يأمنوا أن يسند إلى المجلس ما يخالف الشرع ويحمل ذلك على عاتقهم ، والذي تبين لكل من الفريقين فيما بعد مما ولدته الليالي أن الصواب في غير مسلكه على ما يتحرّر إن شاء الله تعالى في الخاتمة.
ولم يتم هذا المشروع في مدّة الوالي المذكور مع حرص القناسل عليه وتأكيدهم بأنه لا محيص عما أشهدهم عليه بالنيابة عن دولهم ، ولم يبخل الوالي بذلك لأنه محب طبعا للعدل وإنما عاقه عن إتمامه الأجل ، وفي آخر مدّته أغراه وزيره بتعاضد مع روش قنسل فرنسا حيث كان العامل فرنساويا على ما يأتي وحسنا للوالي جلب ماء زغوان (٢) الذي كان جاريا لقرطاجنة في قنوات من البنا وعلى حنايا بأن يجلب على يد جمعية فرنساوية في قنوات من حديد ويوصل إلى المرسى والحاضرة ، وإنما يحصل من ثمنه للديار وللمزارع يوفي بالمصروف عليه في مدة يسيرة وينشأ منه فوائد للزراعة حول الحاضرة والمرسى ، وكان الوالي مغرما بحب العمران والفلاحة وبالمرسى أيضا ، وهي معطشة من قلة الماء الحلو فوافق على ذلك واتفقوا على جلبه وعلى بناء دار لقنسلات فرنسا بهية خارج باب البحر من الحاضرة بمقدار للجميع قدره إثنا عشر مليونا تدفع على أقساط أربعة كل قسط في سنة بثلاثة ملايين ، وقد عد بعضهم ذلك مبدأ محن القطر حيث آل إلى دين بالربا والحق أنه لا لوم على الوالي في ذلك لأن الحكم على ما هو موجود وعلى اعتبار جريان الأمر على الإستقامة ، ولا يحمل عليه فساد غيره وإن بناه على شيء من أعماله هو في نفسه سليما إذ المفسد يبني فساده على ما يريد ، والنظر في الحقيقة للعمل من حيث هو فينظر فيه هل فيه مصلحة أم لا؟ وجلب ذلك الماء على الكيفية المذكورة فيه مصلحة ، وهو تعطش
__________________
(١) هو محمد بن أحمد بن حمودة بن محمد بن علي بن الخوجة الحنفي التونسي شمس الدين ، توفي في ١٠ محرم سنة (١٢٧٩ ه) فهرس الفهارس ١ / ٢٨٥ ومعجم المؤلفين ٨ / ٢٥٦.
(٢) جبل زغوان : بالقرب من تونس في القبلة. انظر معجم البلدان ٣ / ١٤٤.