العساكر فلم يكن مصروفه الإعتيادي مجاوزا الإثني عشر مليونا ، نعم له مصاريف غير إعتيادية فيما يخص ذاته ، وماذا عساها أن تبلغ فإذا دفع من دخل الحكومة ثلاثة ملايين في السنة مدة أربع سنين لمنفعة عامة لا يكون فيه ضرر ، ولاعتماده على مثل ذلك اشترى له الوزير المذكور مصطفى خظنة دار مصوغا بقيمة خمسة عشر مليونا مقسط ثمنه أيضا ليكون ذلك ذخر للحكومة عوضا عما باعه أحمد باشا من ذخائرها الثمينة في مصاريف حرب الروسيا ، لأن المال الناض يسهل إليه امتداد الأيدي بخلاف المجوهرات مع ما في طبع الوالي من الميل إلى طبائع الأقدمين ومنها إدخار المصوغ ، وهو ولئن كان مسرفا فيما يتعلق بذاته وحرمه بالنسبة لأسلافه لكنه يؤثر الإقتصاد للعامة واتباع الحكومة بأن يستلطف لهم لكي يقتصدوا في مصاريفهم ، فقد قدم عليه المولى الإمام الشريف سيدي محمد الشريف في رمضان وكان محبا للإشراف معظما لهم شنشنة أهل تونس الإسلامية فأدخله لقصر حرمه مختليا معه مباسطا ومؤانسا له ، فعرض في أثناء الخطاب لومه للشريف على التقصير في القدوم إليه فأجابه معتذرا ببعد مسكنه حيث كان مسكن الوالي بالمرسى وبتعب الركوب على ظهر مركوب للوصول إليه لأنه ليست له كروسة أي عجلة ، فأجابه الوالي : بأن ملك مثله للكروسة مضر لما يلزمها من المصاريف السنوية ، وهو لا يبخل عليه بإعطاء كروسة له بلوازمها ، ولكنه يخشى عليه كثرة مصاريفها فلذلك رأى أن يعطيه ثمنها وثمن ما يجرها ، على شرط أن يشتغل به فيما له دخل في مصالحه ، وأما ركوبه فإنه مهما أراد الركوب يرسل إليه ليبعث له كروسة ليركبها ، وأعطاه خمسة آلاف ريال ولعمري أنها من نصح الأصدقاء.
وله في مثل ذلك كثير من المساعي سيما فيما يعود إلى تكثير الفلاحة وغراسة الزيتون والأشجار من الأهالي ، حتى رغب أهالي الحاضرة أيضا وأنشأوا في مدته القصيرة ما ينيف على الستين ألف شجرة من الزيتون في أرض تعرف بعبدي خوجه من مرناق ، وتوفي رحمهالله ولم يترك على البلاد ولا دانقا دينا بالربا ، إلا الأموال المقسطة في مقابلة الأشياء المار ذكرها وبقايا أثمان أشياء مما لا يخلو الأمر عن مثله ، مع أنه ترك خزائن من الحديد مملوأة بمسكوكات الذهب التي أنشأ ضربها ، كما ترك خزانة مهمة جدّا ملآنة بالمصوغ والياقوت الأبيض المسمى بالإلماس أو «الديامنت» المتجمع من النياشين التي أبطلها وأخذها من أصحابها وعوضها بنياشين من الفضة على حسب مجرى الدول ، وعوض أصحاب الرتب العسكرية علامات في أعناق لباسهم ، وقد كان كل من أرباب نياشين الإفتخار ومن أهل الرتب العسكرية له نياشين من «الديامنت» مختلفة النوع والنفاسة على حسب الرتب ، فمنها نيشان يبلغ خمسة عشر ألف ريال ، ومنها دون ذلك وهي كثيرة جدا. فاجتمع منها مع ما اشتراه مقدار وافر يعرف ذلك كل رجال الحكومة وأتباعهم بل وجميع آل بيته ، واستولى أخوه محمد الصادق باشا في (٢٤) صفر سنة (١٢٧٦ ه) ولما كان هذا الوالي يتقي الصعوبات ويأتمن من يرى أمانته ويطلق له التصرف من غير معارضة كانت الوقائع تختلف في مدته اختلافا بينا بحسب الوزير الذي بيده التصرف ، مع أن الوالي متحد.