بمنطقته تهيئا لركوبه إلى الحاضرة في كل يوم من رمضان لكون عادته ذلك ، ويبقى منتظرا للوزير ليركب معه لأنه لا يركب دونه فيرد عليه رسول الوزير معتذرا له بأنه غير قادر في ذلك اليوم على الخروج لمرض أو شغل فيلوي الوالي عزمه ولا يتوجه للحاضرة وحده ، وكان لا يباشر فيها شيئا من الإدارة وإنما يذهب لمجرد التنزه والتفرج على الأسواق من شبابيك قصره وحيث علمت ما تقدم نذكر لك بعض حالات هذا الوزير وما طرأ من تصرفاته كما نذكر لك غيره من الوزراء.
المطلب الخامس في وزارة مصطفى خزنه دار :
اعلم أنه رجل أصله من قرية قرب ساقس جلب إلى تونس وسنه دون العشر سنين ، وأخذه أحمد باشا ورباه وتعلم القراءة والكتابة وبعض الفروض العينية كالتجويد والوضوء والصلاة ، ونشأ على مسايرة أخلاق سيده بشوشا غير متفحش غيورا على من انتمى إليه جالبا لهم الأرباح بكل وجه ، كما أنه كان غيورا على تقرب أحد من الوالي ومع ذلك كان كثير الإعتقاد في الصالحين ومن انتمى إلى معرفة الحدثان مواظبا على قيام الثلث الأخير من الليل وله فيه أوراد مخصوصة إلى أن يصلي الصبح ثم ينام ، وكان أولا قبل كبر بنيه ذا كرم كثير العطاء لحاشيته ثم صار شحيح النفس حريصا على الإمساك والتقتير ، ولم يعهد أنه باشر أحدا بشتم أو كلام منكر مدة وزارته على طولها وهي خمسة وثلاثون سنة إلا رجلين يقال لأحدهما علي زيد وللآخر عثمان هاشم ، وكان لا يقدم إليه أحد يطلب شيئا منه إلا يعده بقضاء حاجته كيفما كان حالها ، مع أنه ربما كان الوفاء ببعضها غير ممكن ، وقيل له في ذلك فأجاب بأن سليقته تأبى أن يقنط الطالب [بل يؤنسه] ويصرفه بالوعد وإن كان عازما على عدم إعطائه ويرى أن تعليق الآمال أولى من الأياس منها ولذلك كثيرا ما حصل منه الخلف بما يعد ، وصاهره أحمد باشا على أصغر أخواته ثم ولاه خزنه دار ثم لما أحدث أحمد باشا ألقاب الوزراء ولاه وزارة العمالة وهي عبارة عن التصرف في الداخلية ، فراكن إليه محمود بن عياد وتشاركا سرا حتى صار المحتسب والمحتسب عليه شريكين وحصر دخل الدولة وخرجها في محمود كما تقدم ، وللنجاة بما حصلا معا سهل خروج محمود إلى فرنسا من غير حساب وخانه محمود فأظهر عقد الشركة مع مصطفى خزنه دار وطلب على يد مجلس الحكم إلزام الشريك بدفع نصف قيمة السلع المجلوبة لمصالح الحكومة واستولت هي عليها بعد خروجه من تونس ، وعرض هذا الحكم على الوزير مصطفى خزنه دار بواسطة قنسل فرنسا في تونس ، كما أظهر أن شريكه خزنه دار كلفه بطلب حماية فرنسا له كما قرره في الصفحة الرابعة من الرسالة الأولى التي عرضها على مجلس التحكيم وبعد أن كاد يحصل على الحماية عدلت فرنسا عن ذلك والحال أنه لم يبد له من سيده موجب لذلك بدليل بقائه على منصبه وتصرفه إلى أن مات سيده ، ثم بعد سفر محمود بن عياد استعوضه بسعد بن عبيد وجعله سمسارا على بيع الوظائف ، فكان المتولي يدفع ما اتفق معه