إحداهما : إرادته تسليم البلاد للفرنسيس.
والثاني : ميله إلى الدولة العلية.
فلا شك أن الخلاف السياسي الذي ذكره الوالي لقنسل فرنسا لا يتعلق بالدعوى الأولى وعليه فلا سبب إلا الثاني ، وعلى كل فقد أشهد الوالي قنسل الفرنسيس بعد خروج الوزير خير الدين من الخطة باستحسان سيرته إلا الخلاف المذكور ، فعلى الواقف المتأمل في ذلك إذ الحق ما شهدت به الأعداء ، فعداوة الوالي لخير الدين بعد خروجه من الخطة لا يجهلها أحد والحجة القطعية في ذلك امتناعه من مقابلته عند صدور الإذن بالقدوم لدار الخلافة وطلب الوداع.
المطلب السابع : في وزارة محمد خزندار
اعلم أن هذا الوزير أصله من اليونان وحضر إلى تونس في ولاية حسين باشا ، وربي في الحكومة وتعلم الفروض العينية والقراءة والكتابة ونشأ على صفة التعفف عن الرشا موسوما بحسن الرأي جدي الطبع كثير الصمت صبورا محبا للسادة الأشراف ، صاهره أحمد باشا بالمولى الشريف سيدي محمد الشريف على إبنته ، صاحب صدقات سرية متباعدا عن الشفوف متحد السيرة ، كان قربه الوالي حسين باشا بما راعاه به صاحب التصرف إذ ذاك شاكير صاحب الطابع وصار من خواصه ، وزادت به عناية الوالي المذكور حتى أولاه خزندار وكذلك أخوه من بعده مصطفى باشا في استنجابه ، إلى أن قيل أنه حصلت غيرة منه لشاكير صاحب الطابع المذكور ، واتهم بأنه أغرى بعض خواصه به في المعسكر الذي توجه تحت رياسة صاحب الطابع المذكور لثورة أهل جبل باجه ، فأطلق على الوزير محمد الرصاص في واقعة حربية هناك فأصيب في رجله وعوفي مع بقاء تأثيرها ، ثم استنجبه أحمد باشا وولاه عاملا على الساحل وحسنت فيه سيرته وطالت مدة ولايته عليه من حدود سنة ١٢٥٣ ه إلى سنة ١٢٨٠ ه. ودافع عن أهله ما استطاع من تعديات محمود بن عياد بتكفله بخلاص كل ما يطلب منهم ابن عياد ، على أن لا يباشرهم ابن عياد بتوجيه أعوان الخلاص الملتزمات التي يطلبها منهم ، وأعان على مصاريف عسكر حرب القريم بألف قفيز من الشعير ، ووجهه أحمد باشا رسولا عنه للدولة العلية في استطاع نيتها في ترتيب الأداء على تونس والإعتذار إليها ، ثم وجهه أيضا لإحضار مهمات العسكر في حرب القريم ، ثم عاد مع العسكر وأقام هناك مدة ثم رجع ، ولما ولي محمد باشا أرسله بالهدية والنجدة الثانية من العسكر وطلب تقرير ولايته فقضى مأموريته وعاد وكان في عزم الوالي المذكور تقديمه لوزارة الداخلية فعاقه عنه ما تقدم في إبقاء الوزير مصطفى خزندار ، ولكن الوالي المذكور قربه واعتمده ورفع شأنه وأرسله رئيسا على المعسكر الموجه إلى الأعراض والجريد لجلب رئيس قومه من أعراب طرابلس المسمى بفومه عند ثورته على الدولة العلية هناك ، ثم التجائه إلى تونس عند خشيه الإستيلاء عليه وأحدث في أطراف الجهة الجنوبية من قطر