الجزء الثالث إن شاء الله تعالى عند الكلام على سياسة فرنسا الخارجية.
فصل في بعض عوائد أهل القطر وصفاتهم
مطلب في الأوصاف العامة
قد تقدم أن السكان مسلمون إلا ما قل من يهود ونصارى الذين مجموعهم نحو مائة ألف ، وأما التبصر في أحوال الديانة فإنما هو في المدن وبعض القرى وأما في القبائل الساكنين بالخيام فلهم معرفة إجمالية خصوصا ذوي الثروة والذين تنشأ في أوطانهم زوايا لبعض الصالحين ، فيرشدهم مشايخ الطرق ، وأما باقيهم فيعرفون من عقائد الإسلام الوحدانية لله ورسالة محمد صلىاللهعليهوسلم صادقة وربما كان بعضهم لا يعرف عدد أوقات الصلوات وغيرها من الفروض العينية ، وكأني بإثمهم يتحمل به من يعلم حالهم ولا يرشدهم ، والكل على مذهب الإمام مالك رضياللهعنه إلا قليلا منهم على مذهب الإمام أبي حنيفة رضياللهعنه ، والجميع أهل سنة إلا بعض أهل جربة فهم على مذهب الإعتزال ولهم علماء ومساجد خاصة ، وللأهالي تعظيم لشعائر الدين ومنها الحياء فإن الإبن سيما من الأعيان لا يجلس أمام والده إلا بإذنه ولا يستنشق التبغ ولا يدخن به أمامه أبدا وكذلك أمام والدته ، هذا فضلا عن الكلام الفاحش أو خطاب زوجته بل حتى إذا كان له ابن صغير فإنه لا يحمله ولا يخالقه أمام والديه ، ويقبلون أيدي والديهم في السلام عليهم وربما كان ذلك كل صباح وهي تحية التلامذة لمشايخهم وتحية السادات الأشراف ولجميع الأهالي تعظيم كامل لهم ، وأما سلام الأكفاء فهو التقبيل في الكتف إلا الأعراب فإن بعضهم يقبل يد بعض أو رأسه ، ولا تكاد تسمع أحدا من ذوي المروءة يغني فضلا عن النساء اللاتي صوتهن عورة (١) ، بل
__________________
(١) اعلم أن القول المعمول عليه في المذاهب الأربعة في صوت المرأة أنه ليس بعورة ، وكيف يقال إنه عورة وقد ثبت في الحديث أن الرسول رخص لجارية في الغناء عند إهداء العروس إلى زوجها فقد روى البخاري في الصحيح عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضياللهعنها أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال نبي الله صلىاللهعليهوسلم : «يا عائشة ما كان معكم لهو فإنه الأنصار يعجبهم اللهو» [الحديث رقم ٥١٦٢] وفي رواية الطبراني عن شريك عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «هل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني»؟ قالت عائشة : تقول ماذا؟ قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم تقول : (أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم فلو لا الذهب الأحمر ما حلت بواديكم ولو لا الحنطة السمراء ما سمنت عذاريكم).
الحديث في مجمع الزوائد ٤ / ٢٨٩ وفي فتح الباري ٩ / ٢٨١ شرح حديث (٥١٦٢).
ورواية الطبراني هذه صحيحة ففيها زيادة كما هو ظاهر على رواية البخاري وهي الضرب بالدف والغناء بهذه الكلمات ، ومعنى الجارية في اللغة : الفتاة كما هو مذكور في القاموس المحيط ٤ / ٣١٣ مادة (جرى) وفي اللسان : الجارية : الفتية من النساء. انظر لسان العرب ٢ / ٢٦٧ مادة (جرأ).
وروى البخاري أيضا عن عائشة رضياللهعنها : «دخل عليّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث ، فاضطجع على الفراش وحول وجهه ، ودخل أبو بكر فانتهرني وقال : مزمارة الشيطان عند النبي ـ