جهاتها بعدت أو قربت ، ولكل جهة حمارون مخصوصون ولا يكون ذلك إلا بين البلدان ، وأما القبائل الأعراب فلهم قوافل يجتمعون عند قصد إحدى البلدان أو الأسواق التي تقام في أيام من الأسبوع بإحدى الجهات ، كسوق الخميس قرب الركبة وأمثاله ، ويحملون على دوابهم ما اشتروه ويرجعون إلى أماكنهم ، ولما كانت الطرق الصناعية قليلة تعطل أغلب التجارة زمن الشتاء في دواخل القطر ، لكن الطريق الحديدية المارة إلى الجزائر سهلت التجارة إلى الجهات الغربية كما أنه رتبت بواخر للبريد والسلع بين مراسي القطر الشهيرة ، زيادة على البرد التي هي ثمانية تأتي أسبوعيا من أوروبا ، فإثنان إلى فرنسا والجزائر ، وإثنان إلى إيطاليا ، وأربع إلى مالطا ، وقد يأتي غيرها على غير انتظام ، وليس للأهالي من السفن شيء إلا قليلا من ذات الشراعي لأهل جربة وصفاقس والساحل.
مطلب في ترتيب الأحكام والإدارة
الآن الوالي يجلس يوم السبت في كل أسبوع غالبا بمحل من قصر الإدارة الكائن في بلد باردو يسمى هذا المحل بالمحكمة ، وهو بيت كبير مستطيل وبصدره كرسي ذو درج مموه بالذهب وعليه تاج معلق ، والدرج مكسوة بالمحبر نوع من منسوج الحرير الثخين الغالي ، يجلس عليه الوالي ويوضع بجنبه زوج طبانجة ويقف عن يمينه وشماله على الدرج من حضر من أهل بيته ، ويقف الوزير عن يمينه من أسفل الدرج بحيث يكون مواجها إلى الجهة اليسرى من الوالي ويليه بقية الوزراء على حسب أسبقيتهم في الوظيفة ، ثم يليهم كبراء العساكر النظامية ثم رؤساء العساكر الخيالة غير النظامية المسمون بالأغوات ، ثم العمال والأظاباشية والكواهي أي الصنف الثاني والثالث من رؤساء العساكر الخيالة الغير النظامية ، وعند نهاية الصف عن اليمين يتممون الصف عن اليسار ، فإن زادوا جعلوا صفا ثانيا وراء الصف الأول ويجلس باشكاتب على مسطبة على يسار الوالي مقابلا لأول الصف الأيمن ، ثم يليه مسطبة طويلة يجلس عليها كتبة من أقسام الوزارات على حسب رتبهم ، ثم يقف تجاه الوالي عن بعد في آخر الصفوف نحو ستة رجال يسمون شواش السلام والشطار ، بلباس أحمر مقصب بالفضة وعلى رؤوسهم شواش حمر وشراباتها فضة وعليها مما يلي الجبهة قطع من النحاس الأصفر ومغروز فيها أنواع من ريش أجنحة الطير الطويل وبأيديهم معاول طوال من النحاس الأصفر يركزونها ويتكؤون عليها ، وعند جلوس الوالي في ذلك المجلس يرفع صوته كبير هؤلاء الشواش بكلام باللغة التركية معناه : دعاء بالنصر والتأييد للوالي ، ثم يرفع صوته بقوله : سلام ورحمة الله ، ثم يقف وراء هؤلاء رؤساء البوابة أي أصحاب الباب وتعزف الموسيقى العسكرية عند دخول الوالي لذلك المحل ويأذن إذ ذاك الوالي بإدخال أصحاب الشكايات ، فيرفع صوته رئيس البوابة بقوله : «باش حانبا» أي يا رئيس الحوانب أدخل ، وهو الترجمان بين الوالي والمشتكين لا لكون الوالي يحتاج إلى فهم لغة المشتكين بل لكونهم بعيدين في الوقوف عنه وربما يكون بعضهم لا يحسن الإلقاء