الباب الثاني
في السفر لغير أرض الإسلام وفيه فصلان
الفصل الأول
في النصوص الدالة على الجواز
لا خفاء أنّ الأعمال بمقاصدها ، فإما أن يكون السفر لمقصد صحيح شرعا كمقصد مصلحة عامّة أو مصلحة خاصة لا مندوحة عنها ، أو يكون لمجرّد توسع في المال وتنزه ، وعلى كلا الوجهين فالسفر جائز غير أنه يختلف حكمه بالنسبة للمروءة وحفظها حتى تبقى العدالة أو لا تبقى بانعدام المروءة ، وها نحن ننقل ما اطلعنا عليه في المسألة. ففي الفتاوى البيرمية نقلا عن خط الشيخ محمد بيرم الرابع (١) ما نصه : «سئل جدي رحمهالله عن ركوب البحر والذهاب لدار الحرب هل يسقطان العدالة أم لا»؟ فأجاب بما نصه : أما نفس ركوب البحر فإنه لا يمنع قبول الشهادة إلا عند ظن الهلاك ، وأما الذهاب إلى دار الكفر فينظر فيه للسبب الحامل عليه ، فإن كان مصلحة : إما عامّة للمسلمين ، أو خاصة بالذاهب ، كما إذا كان به مرض عجز عن علاجه هنا فهذا لا بأس به ولا تسقط العدالة بسببه ، وإذا كان لغرض التجارة والاستكثار من حطام الدنيا فهذا هو الذي تسقط به العدالة هذا ملخص ما فهم من كلام أصحابنا كما في الوهبانية وشروحها والله تعالى أعلم انتهى.
وفي الفتاوى الهندية من كتاب السير بعد أن ذكر أن الرجل لا يخرج للجهاد إلا إذا رضي أبواه أو من يقوم مقامهما على التفصيل المقرر هناك قال : «وإن أراد الخروج للتجارة إلى أرض العدوّ فكرها خروجه (أي الأبوان) ، فإذا كان أميرا لا يخاف عليه منه أو كانوا قوما يوفون بالعهد يعرفون بذلك وله في ذلك منفعة فلا بأس بأن يعصاهما ، ثم ذكر مسائل تحوم على أن المدار في الجواز وعدمه على غلبة الظن بالأمن فإذا حصل ذلك جاز له السفر ولو بغير رضى الوالدين فتلخص مما تقدم أن السفر إلى أرض غير المسلمين جائز كيفما كان المقصد على شرط الأمن ، وإنما يختلف الحكم بالنسبة للعدالة ، ولا يخفى أن العدالة مدارها على حفظ المروءة والتنزه عن الرذائل وسفاسف الأمور ، فإذا كان يقتحم الأخطار من السفر المذكور لمجرّد الزيادة في التحسينات كالتنعم بالنظر أو بزيادة المال كان ذلك قادحا في العدالة وإن لم يكن محرّما ، وأما إذا كان السفر المذكور لغرض صحيح ولو
__________________
(١) هو محمد بن محمد بن محمد بيرم الرابع (١٢٢٠ ـ ١٢٧٨ ه) عالم بالحديث والتراجم والآداب. توفي بتونس. الأعلام ٧ / ٧٤ فهرس الفهارس ١ / ١٧٤.