الإثنين لاقاه في بحر مرمرا سفراء الدول في بواخرهم الرسمية ووجوه تجار الفرس في ستة بواخر أخر ، ولاقاه هناك أيضا فرقة من الأسطول العثماني فوصل في موكبه البهي إلى الآستانة من يومه وأرسى قبالة قصر بكلر بيك المعد لنزوله فأطلقت له المدافع وتوجه السلطان للقائه في الباخرة ورحب به وآنسه ولبثا مليا والمترجم بينهما ميرزا حسين خان صدر دولة الشاه ، ثم نزلا معا إلى القصر وأطلقت المدافع من جميع الأسطول العثماني ثم رجع السلطان إلى قصر بباشكطاش ، ثم زاره الشاه بعد الإستراحة وآنسه وكان كل منهما متقلدا بنيشان صاحبه وزينت له سائر الدواوين الملكية ومنازل تجار الفرس ، وحصل له من العناية ما أكد له مزيد الألفة بين السلطنتين ثم عاد إلى بلاده ، وأخذ في فتح الطرق للتقدّم لكن السير فيها بطيء ثم عاد إلى أوروبا سنة (١٢٩٥ ه) لزيارة معرض باريس على وجه غير رسمي ، وزاد استبصارا فيما ينبغي اتخاذه وشرع في شيء من التنظيم سنة (١٢٩٦ ه) تداركا لما يحيط به سياج الحفظ لأمته ومملكته التي أخذت منها الروسيا قسما عظيما في أواسط القرن الحالي ، وهاته المملكة حكمها الآن استبدادي مطلق ، غير أن ما لا باعث عليه من الجزئيات يجري فيه الحكم الشرعي الإسلامي والغرباء لهم الأمن من جهة الحكم إذا دخلوا المدن العظيمة منها وحلوا فيها.
أما غيرها فلا اطمئنان فيها إلا إذا أخذ المسافر وصيات من رؤوساء الحكام أو خفراء له ، ودخل هاته الدولة وخرجها يأتي إن شاء الله تعالى.
الفصل الثالث
المملكة الثالثة هي مملكة أفغانستان
وموقعها شرقي فارس وقاعدتها كابل وقد كانت هاته المملكة مقر المملكة الغزنوية ثم السلجوقية ثم استقلت بولاية أحمد شاه في القرن الثاني عشر ثم دخلت تحت السابقة الذكر ، ثم استقلت في عشرة السبعين بعد الألف والمائتين بإعانة الإنكليز ، وسكانها نحو الستة ملايين وقيل ثمانية والأول أقرب ، أكثرهم أهل بادية وسكان جبال والديانة العامة هي الإسلامية السنية والحكم استبدادي مطلق ، ولا راحة تستقر فيها لكثرة الثورات وعدم انقياد القبائل ، ثم تعارض سياستي الروسيا والإنكليز فيها حتى اغتر أميرها وحارب الإنكليز فوقعت المملكة في قبضتهم وخذلته الروسيا حيث تم لها جل قصدها من حرب سنة ١٢٩٤ ه بتسليم الإنكليز لها ، ومن عادات هاته المملكة أن يكون نحو عشر السكان عساكر دفاعية عن الوطن ، وفيهم المشاة والخيالة وهم غير منتظمين ولا يبقون في الخدمة العسكرية إلّا نوبا والأهالي تقوم بهم فإن كل مقاطعة أو ولاية عليها مقدار معلوم من العساكر بما يلزمهم ، ثم هم يقسمون اللوازم على ما يقتضيه الحال فأصحاب الأملاك يقومون بالخيالة وغيرهم يقومون بالمشاة.
وأما الطوبجية : فمنهم خيالة ومنهم مشاة وكلهم ملازمون للخدمة ، والدولة تقوم بهم