الجنوب جهة الملوك ، والربع الذي على يمينه جلس عليه الإنكليز المتفرجون أرباب المناصب ، والربع الذي على يساره جلس عليه أعيان أهل الهند وأمراؤها غير أرباب التيجان وهم المدعون للحضور ، وقطر هذه الدائرة نحو مائة ذراع وحولها دائرة أخرى كبيرة خالية عن الناس لها حاجز من درابزين خشب فاصل بين المتفرجين العوام وبين مجلس الأمراء ، والمسافة بين الدائرة الداخلة والدائرة الخارجة نحو مائة ذراع ومن حول الدائرة الخارجة عسكر الإنكليز نظاما وخيالة مرتصين في ذلك الفضاء وعددهم بالتقريب نحو العشرين ألفا ، وأكثرهم من الإنكليز البيض ، ومسافة ما بين المجلس وما بين دهلى ستة أميال في صحراء واسعة بقرب جبل صغير يسمى جبل الفتح ، فإن الإنكليز فتحوا دهلى من هذا الجبل سنة (١٢٧٤ ه).
ثم اجتمع الناس المتفرّجون من كل فج عميق ما بين ماش وراكب حتى ملؤوا ذلك الفضاء. فصار من بيده تذكرة العزيمة يدخل في الدائرة الداخلية ومن ليس بيده تذكرة يقف خارج الدرابزين الخشب ، ففي الساعة الثانية عشرة أقبل حكمدار الهند وهو لابس من فوق السترة والبنطلون جبة واسعة الأكمام وطويلة الذيل وهي أشبه بالفرجية التي تلبسها كبار العلماء بمصر ولونها رمادي وجميع أطرافها مطرزة بالذهب ، ومع الحكمدار زوجته ومن خلفه ابن السلطان لكهنؤ وابن أخي سلطان ينبال في صورة خادمين ، فلما صعد على درج التخت رفع الغلامان أذيال جبته عن التراب إلى أن استقر فوق التخت فجلسا هما على كرسيين صغيرين خلفه وجلس هو على كرسي مذهب وزوجته على يساره ، ثم أخرج الحكمدار من جيبه ورقتين أعطاهما لرجل إنكليزي جهوريّ الصوت ، فقرأ الأولى وهي باللغة الإنكليزية ومضمونها : «أن الملكة لقبت بإمبراطورة الهند وأن جميع الأمم ارتضوا بذلك». ثم قرأ الورقة الثانية وهي باللغة الهندية ومضمونها : مثل الأولى ، فعند ختامها قام جميع ملوك الهند وصاحوا بارك الله لها في هذا اللقب ونحن أيضا جميعا راضون بذلك ، فأطلقت المدافع من طرف عساكر الإنكليز ومن طرف ملوك الهند واشتغلت آلات الموسيقى بأحسن الألحان ، وانفض المجلس في الساعة الواحدة فكانت مدة جلوس الملوك نحو ساعة ، ومدة جلوس الحكمدار وقراءة الورقة نحو ربع ساعة ، ثم نورت جميع البلدة ليلتين جرى فيهما من ألعاب البارود ما يعجز عن تصوّره.
وكيفية وصول ملوك الهند إلى الدربار : أن كل ملك قدم بعساكره من أبناء جنسه وبمدافعه. فلما وصلوا إلى محل الجلوس دخلت الملوك وجلسوا على كراسيهم تجاه الحكمدار ووقفت عساكرهم وأفيلتهم خارج الدائرة وعددهم نحو التسعين ملكا وهم مرتبون بحسب العدد.
وهكذا المدافع التي كانت تقابلهم بالسلام عند قدومهم ، أعني أنه عند قدوم ملك حيدرآباد على قلاع الإنكليز ، أطلقوا له واحدا وعشرين مدفعا ولراجا بروده كذلك ومثلها لراجا جيتبور ، وتسعة عشر لراجا كشمير ، وثلاثة عشر لنواب رامبور غالب علي خان لأن