ومنها : حسن الألوان فيه كما أنهم لهم إتقان في صناعة النقش والتصوير في سن الفيل وغيره.
وأما المعارف والعلوم : فالظن أنهم كانت لهم في القديم فنون كثيرة وبقيت فيهم الدعوى فقط ، بحيث يرون أنفسهم أعلم أهل الأرض ، لكن في الواقع ليس لهم إلا شيء من الحكميات والنجوم مغرمون باستخدامه في علم الغيب وأشباهه مما لا طائل تحته ، وحدث فيهم أخذ بعض الطبيعيات عن الأوروباويين واستخدموها في منافعهم كالبخار والكهربا لكن لم يتجاوزوا إلى الآن المقدار الذي أخذوه ولم يخترعوا شيئا فيه ، وقد كانوا اكتشفوا بيت الإبرة ، وقد أثبت بعض المؤرخين أنها من اختراع العرب كما أن أهل الصين اخترعوا البارود ولم يعرف أنهم استعملوه في حرب قبل استعماله فيها عند غيرهم ، وإنما كانوا يستعملونه للإصلاح كدك التلال وغيره ، وإن وجد من آثار سلاحهم قديما ما يدل على أنهم كانوا يستعملونه فيه ، وأوّل ما عرف البارود في جهاتنا من العرب سنة (٧٣٧) هجرية.
وموقع هاته المملكة من مبدأ الشطوط الشرقية من آسيا على المحيط الشرقي إلى أن تتصل بأملاك الروسيا ، ومن الجهة الجنوبية تبتدىء من جبال هملاي إلى سبيريا من جهة الشمال فهي حينئذ تحاد الهند من شماليه وما والاه من الممالك الشرقية منه ، وعدد سكان هاته المملكة نحو الثلث من سكان العالم كله وهم على ما تحرّر في سنة (١٢٨٦ ه ـ ١٨٦٩ م) قريبا من خمسمائة وسبعة وثلاثين مليونا من النفوس ، وهذا المقدار يساوي نحو الضعف من سكان أوروبا كلها ، ومع هاته الكثرة التي هم عليها كانوا في السالف لا تكاد تجد منهم خارج مملكتهم إلا النادر القليل لأعجابهم بأنفسهم ، ولأن اصطلاحات أحكامهم تمنع الخروج من الوطن إلا بإذن خصوصي مع التشدد فيه حتى يتبين وجه أكيد لمريد السفر ، ثم مع ذلك إذا غاب المسافر عن وطنه مدة ثلاث سنين يمنع من العودة إليه والدخول فيه ، كما أن من أحكامهم منع دخول أجنبي إلى أرضهم إلا برخصة مخصوصة فأذا نالها كان أين ما حل مكرما محروسا ، وأما إذا دخل بغير رخصة فلا يأمن على نفسه سيما من الحكم ، وقد بقوا على هاته العوائد إلى أواسط هذا القرن ، ثم أطلق الإذن لمن يريد السفر فصار يخرج منهم الكثير إلى الهند وجزائره وإلى أمريكا ، والخارجون لهم براعة في التجارة.
وتكاثر الخارجون لضيق الأرض بهم حتى أنهم في وطنهم يضطرون إلى السكنى على الألواح في الشطوط ، بل أنهم يجعلون على الألواح بساتين لأن الأرض لا تكفيهم لكثرتهم وإتقانهم لتعميرها بالفلاحة حتى أنهم يعملون من أنواع السرقين ما لا يعلمه غيرهم إلى الآن ، وهذه المملكة تنقسم إلى ثماني عشرة ولاية تسمى كل واحدة منها بلغتهم «سنقا».
وأولها : المحتوية على تخت السلطنة تسمى باكنغ أوبا أوتاشي أوبى ، ويبلغ عدد سكانها أربعين مليونا ، ثم أن كل ولاية تنقسم إلى أوطان يقال للواحد منها بلغتهم «فو» وكل وطن من هاته ينقسم إلى أجزاء يسمى كل واحد منها «تشيو» ثم كل جزء ينقسم إلى أقسام متعددة صغار تسمى «هيان».