أنياب الفيل غير أنها مرتفعة إلى فوق ، واطلعوا على وجود هاته الأنواع هناك بكثرة عظامها في طبقات سفلى من الأرض ، تدل على أن تلك الجهة كانت حارة كما تقدم ، وهي الآن من شدة بردها اتخذتها الروسيا منفى لأصحاب الجرائم الشديدة ، فما يصلون إليها إلا بعد فقدان أكثرهم في الطريق ومن وصل منهم لا يبقى سالما وتحدث لهم وللسكان الأصليين أمراض في الأعين من شدّة الضوء المنبعث من سطوع الأشعة الشمسية في بياض الثلج المتكاثر الدائم.
ويوجد في هاته المملكة أعني بقية مملكة الروسيا في آسيا أنواع شتى من الفراء العالي. وفيها أنواع النبات المختلف الذي يوجد في أغلب الأقطار الباردة والمعتدلة ، وتجارتها متصلة مع جميع الأقطار لكنها ليست بمتسعة لصعوبة النقل حيث لم تتم الطرق الكافية الموصلة لشواسع هاته المملكة المتسعة ، ولأجل انحطاط درجة المعارف والصنائع التي يمكن بها مناكبة الأوروباويين في هذا العصر ، ولا يخفى أن مملكة متسعة مثل هاته تشمل أصنافا من البشر ، لا بد أن يكون أهلها مختلفي الطبائع والعادات ، فالمسلمون كالجركس والكرج هم أهل شجاعة وتجلد وصبر على اقتحام المشاق ، مع تعصب لبعضهم وغيرهم من المسلمين ، وغيرهم كأهل خيوا والقريم والداغستان هم أيضا فيهم تلك الصفات ، غير أنها أقل من سابقهيم ودونهم أيضا في التعصب وقد استولت الروسيا على هاته الممالك تدريجيا ، فمنذ نحو ثلاثمائة سنة وهي تمتدّ فيهم شيئا فشيئا ، ومع كون الروسيا استبدادية فالمسلمون الذين طال استيلاؤها عليهم وتناسوا العداوة ، تعاملهم الآن بالرفق وحرية الديانة بحيث يكون الأذان والصلوات في المساجد وعقد الأنكحة كلها قائمة ، وكذلك تعلم العلوم الدينية ، ولسانهم هو أيضا مباح ولا يتعرّض لهم بشيء ، وتجري عليهم بقية الأحكام الشخصية والسياسية مثل بقية الروسيين حتى في اتخاذ العساكر منهم ، لكن أكثر العساكر منهم هم على غير نظام ، مما يسمى قزاق نوع من الخيالة الغير النظامية ، وأما المسلمون الذين تسلطت عليهم من قريب فتجري فيهم أنواع القهر والغلظة من الحكم العسكري البحت ما تنفر منه الطباع ، وذلك للتحرّس من ثورتهم وتربية الجيل الناشىء على المذلة والخضوع إلى حكمها ، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
الفصل الثالث عشر
المملكة الثالثة عشر مملكة هرات
هاته المملكة موقعها شرقي إيران وغربي بعض الصين والهند وجنوب الروسيا وشمال أفغانستان ، وكانت تابعة لإيران ثم استقلت عند استقلال الأفغانستان وأهلها مسلمون سنيون والظن أنها لا تلبث أن تلتهمها بعض الدول المجاورة لها لصغرها بالنسبة إليهم ، والأقرب رجوعها لإيران بإعانة الإنكليز في هاته المدة لإتمام مأربه هو في الأفغان ، حيث أنهم موافقون لهم في المذهب ويمدونهم بالإعانة على حرب الإنكليز ، فلذلك أغرى إيران