بالحرب لهم والاستيلاء عليهم ، بيد أن سياسة الروسيا عطلت ذلك.
وعدد الأهالي مجهول الحقيقة وعلى التخمين أنهم نحو مليونين تحت ملك مسلم استبدادي مطلق من ذرّية أحمد شاه ، الذي أنشأ في أفغانستان وما والاها مملكة ذات شأن والأحكام الشخصية شرعية ولهم أيضا فيها حكام سياسية لكن النفوذ قليل ، لأن أغلب السكان قبائل رحالة فيهم حرية البداوة هم من أصل التركمان ، وكانت في المملكة مدن عظيمة في أودية بين الجبال التي على جنوبي صحراء خوارزم هدمت كلها بتخريب جنكس خان التتري ، وقاعدة المملكة مدينة هرات وهي مدينة عظيمة تسقى بنهر يتشعب في شوارعها ودورها ، ولها تجارة حسنة في نتائج أراضيها المخصبة مع الممالك المجاورة ، وفيها من النباتات كل نبات الأراضي المعتدلة لاعتدال هوائها وسلامته ، وكانت مناخا للعلوم ومنبتا للعلماء الأفاضل حتى قال ياقوت (١) في المشترك : «إن علماءها لا يحصي كثرتهم إلا الله» وهي الآن دون ذلك وإنما فيها من العلماء حسب الحال ، ولأهلها من الصنائع الجيدة السيوف وآلات القطع ، لأن تيمور لنك نقل إليها ماهري هاته الصناعة من دمشق فبقيت فيهم إلى الآن ولهم مهارة في صناعة البسط والأقمشة الحريرية ، ويقال في قوّتها الحربية والمالية ما قيل في أفغانستان على نسبة عدد سكانها.
الفصل الرابع عشر
المملكة الرابعة عشر هي إمارات التتر المستقلين
هاته الإمارات موقعها غربي الصين وشرقي وجنوبي بعض الروسيا وشمالي وشرقي هرات وبعض إيران ، وجميع السكان مسلمون سنيون وحقيقة عددهم مجهول وإنما يقال على التقريب أنهم نحو سبعة أو ثمانية ملايين ، وقد كانت الممالك منقسمة إلى خمسة أقسام ، كل قسم مستقل تحت حاكم يلقب بالخان وهي : «خيوه ، وبخارى ، وتشقند ، وخوقند ، وقبائل التركمان الرحالة المعروفة بتيكي.
وأما الآن فإن «خيوا» دخلت في حوزة الروسيا وصارت جزءا من ممالكها وإن أبقيت لها بعض امتيازات ظاهرية كإبقاء خانها ولقبه ، غير أنها في الواقع هي من مستملكاتها الداخلة في حكمها وتحت أمرها.
وأما بخارى : فهي أيضا مثل خيوا غير أن امتيازاتها أكثر منها ، وعلى كل حال فكلاهما يصح أن يقال أنهما مستقلتان بالإدارة الداخلية تحت الأمر الروسي ، ويؤدّيان له الخراج السنوي ، ولهما عساكر بقدر ما تسمح لهما به الروسيا للتحفظ على الراحة في المملكة أو لإعانة الروسيا فيما تأمرهما به.
__________________
(١) هو ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي أبو عبد الله شهاب الدين (٥٧٤ ـ ٦٢٦ ه) مؤرخ جغرافي أديب لغوي. توفي في حلب. الأعلام ٨ / ١٣١ مرآة الجنان ٤ / ٥٩ وفيات الأعيان ٢ / ٢١٠.