بأجر زهيد وتسمى هاته الدار «موزاي ناسيونال».
ومما شاهدته في نابلي دار الفنون المسماة «أنيفرسيتادي نابلي» وهي يعلم بها فنون الطب والأحكام والسياسة والتجارة والكيمياء والصيدلة والبناء والفلك والجبر والمقابلة والهندسة والأبعاد وجر الأثقال ، ولكل فن قسم ومدرسون وبها محل لأجسام الحيوانات فيه أغلب ما يعرف منها من الإنسان إلى الذباب من الحشرات حتى الحيوانات البحرية لكنها كلها ميتة مجعولة بوا أي منزوعة اللحم وغيره مع التحفظ على هيئة الجلد ، ويحشى جلدها بمواد نباتية ويرسم على هيئة أصل الحيوان حيا وتجعل عيناه من زجاج فيراه الناظر كأنه حي ، وفيها من تلك الأنواع ما لا يكاد يحصى. ويوجد كتاب مطبوع في البلد مشتمل على تلك الحيوانات مع تراجمها وأغرب ما رأيته من حيواناتها ولم أره في غيرها عصفور في حجم النحلة ملون الريش وذيله ذو ريشتين فقط طويلتين كل منهما في طول ما يقرب من الشبر لها ألوان جميلة ، وكذلك رأيت فيها تنين البحر أعظم حجما من الفيل لكنه أقصر منه لأن جملة هيئته تقرب من هيئة السلحفاة ورأسه أضخم من رأس الفيل وعيناه واسعتان جدا وفمه مفتوح وجلده منكمش وبجملته له منظر بشع منفر ، ويوجد في هذا المحل جسم الإنسان على جميع أطواره منذ يتكون مضغة إلى أن يصير شيخا فانيا ثم يوجد تشريح أعضائه منفردة سواء كانت ظاهرية أو باطنية ذكورية أو أنوثية ، وجملة جسمه من المجاميع الأصلية كل منها منفرد عن الآخر فتجد جسما ليس فيه إلا العظم فقط على نحو خلقته ، ثم آخر به العظم والعروق فقط وهكذا ، غير أن بعض هاته الأجسام هو حقيقي وبعضها صوري من الشمع لكنه متقن التصوير واللون حتى كأنه هو الأصل لأن اللحم بدون جلد لم يمكن لهم تصبيره في الهواء ، وكذلك توجد أجسام المولودين على خلاف المعتاد ككون وجهه في بطنه وآخر ذو ثلاثة رؤوس إلى غير ذلك وكلها مصبرة في زجاجات كبيرة مملوءة بمياه روحية لكي تقي الجسم من التعفن ، وفي هذا المحل يتعلم فن التشريح الذي هو جزء من الطب وفي هذا المحل أيضا خزنة كتب عظيمة بها مائة وثلاثون ألف مجلد كلها طبع إلا النادر بخط اليد وبها كتب عربية كثيرة ، فمما رأيته فيها مصحف كريم مطبوع بالطبع الحجري ، ثم كتاب يسمى الكمال المسيحي للراهب «الفونس رودريكوس» موضوعه تعاليم ديانتهم وهو في مجلدين ضخمين ، ثم مجلد آخر يشتمل على توراتهم وأناجيلهم مكتوب بلغات ستة وبخطوطها واللغات هي : العربية والعبرانية واليونانية واللاتينية وحمار تيانو والسريانية بنوعيها ، ويوجد بهاته الخزنة الكتبية كورتان محيط دائرة كل منهما نحو ثلاثة ميتر أحديهما صورة الفلك وأخرى صورة الأرض مرسوم بهما خريطات متقنة مكتوب عليهما بالخط العربي الثلثي الجميل قيل إنهما من مصانع علماء الأندلس.
وبقرب نابلي على مسير نحو عشرين دقيقة في الرتل بلدة بونباي ، وهاته البلدة كانت منذ ألفين سنة مصرا متمصرة وكان أهلها مولعون بالإنكباب على الشهوات وقساوة القلب ، حتى أن من ألعابهم في الملاهي والمراسح أن يخرجوا الحيوانات المفترسة ويلقون إليها